كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

كقوله: «إنّ الرُّوح إذا قُبِضَ تَبِعَه البصرُ» (¬١)، وقوله: «إنّ الله قَبضَ أرواحَنا حيث شاء، وردَّها حيث شاء» (¬٢)، وقوله في حديث قَبْض الرُّوح وصفته: فإن كان مؤمنًا كان كذا وكذا، وإن كان كافرًا كان كذا وكذا (¬٣). فسمّى المقبوض روحًا، كما سمّاه الله في كتابه نفسًا، وهذا المقبوض والمتوفّى شيءٌ واحدٌ، لا ثلاثةٌ ولا اثنان، وإذا قُبض تبعتْه القوى كلُّها: العقل وما دونه؛ لأنّه كان حامل الجميع ومَرْكبه (¬٤).
إذا عُرِف هذا، فالمعاينة نوعان: معاينة بصرٍ، ومعاينة بصيرةٍ. فمعاينة البصر: وقوعه على نفس المرئيِّ أو مثالِه الخارجيِّ، كرؤية مثال الصُّورة في المرآة والماء. ومعاينة البصيرة: وقوع القوّة العاقلة على المثال العلميِّ المطابق للخارجيِّ، فيكون إدراكه له بمنزلة إدراك العين للصُّورة الخارجيّة (¬٥)، وقد يقوى سلطان هذا الإدراك الباطن، بحيث يصير الحكم له، ويقوى استحضار القوّة العاقلة لمدركها (¬٦)، بحيث يستغرق فيه، فيغلب حكمُ القلب على حكم الحسِّ والمشاهدة، فيستولي على السّمع والبصر، بحيث يراه ويسمع خطابه في الخارج، وهو في النّفس والذِّهن، لكن لغلبة
---------------
(¬١) أخرجه مسلم (٩٢٠) من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -.
(¬٢) رواه مالك في «الموطأ» (٢٦) من حديث زيد بن أسلم مرسلًا، وهو صحيح بشواهده المسندة. انظر: «التمهيد» (٥/ ٢٠٤).
(¬٣) يشير إلى حديث البراء بن عازب الطويل الذي أخرجه أحمد (١٨٥٣٤)، وأبو داود (٤٧٥٣)، والحاكم في «المستدرك» (١/ ٣٧، ٣٨). وهو حديث صحيح.
(¬٤) «ومركبه» ليست في ت.
(¬٥) ت: «الخارجة».
(¬٦) د: «ليدركها».

الصفحة 145