كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

الإحسان= وإلّا فهو باطلٌ، فإنّ الرّبّ تعالى لا يُعايِنه في هذه الدّار بصرٌ ولا روحٌ، بل المثال العلميُّ حظُّ الرُّوح والقلب، كما تقدّم.
قوله: (والأرواح إنّما ظهرت وأكرِمتْ بالبقاء، لتعاين سَنَا الحضرة، وتُشاهد بهاءَ العزّة، وتجذِبَ القلوب إلى فناء الحضرة).
يعني: أنّ الأرواح خُلِقت للبقاء لا للفناء، هذا هو الحقُّ، وما خالفتْ فيه إلّا شِرْذِمةٌ من النّاس من أهل الإلحاد القائلين: إنّ الأرواح تفنى بفناء الأبدان، لكونها قوّةً من قُواها، وعَرَضًا (¬١) من أعراضها.
وهؤلاء قسمان؛ أحدهما: مُنِكرو مَعادِ الأبدان، والثّاني: من يُقِرُّ بمعاد الأبدان، ويقول: إنّ الله يُعِيد قوى البدن (¬٢) وأعراضه، ومنها الأرواح، فتفنى بفناء الأبدان. فليس عند الطّائفتين روحٌ قائمةٌ بنفسها، تُساكِنُ البدنَ وتُفارِقه، وتتّصل به وتنفصل عنه.
وأمّا الحقُّ الذي اتّفقت عليه الرُّسل وأتباعهم: فهو أنّ هذه الأرواح باقيةٌ بعد مفارقة أبدانها، لا تَفنى ولا تُعدَم، وأنّها (¬٣) منعّمةٌ أو معذّبةٌ في البرزخ، فإذا كان يوم معاد الأبدان رُدَّتْ إلى أبدانها، فتنعَّم معها أو تُعذَّب، ولا تُعدَم ولا تفنى.
فقوله: (والأرواح إنما ظهرت وأُكرِمت بالبقاء لِتُعايِن سَنا الحضرة)،
---------------
(¬١) ت، ر: «عرض».
(¬٢) ر: «الأبدان».
(¬٣) ش: «وإنما».

الصفحة 157