كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)
السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [النحل: ٦٥]، وقال في الماء: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: ١١]، وقال: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً} [الفرقان: ٤٨]، وجعل هذه الحياة دليلًا على الحياة يوم المعاد. وهذه حياةٌ حقيقةٌ (¬١) في هذه المرتبة، مستعملةٌ في كلِّ لغةٍ، جاريةٌ على ألسن الخاصّة والعامّة، قال الشّاعر يمدح عبد المطّلب:
بشَيْبةِ الحمدِ أحيا الله بلدتَنا ... لمّا فقدْنا الحَيا واجْلَوَّذ المطرُ (¬٢)
وهذا أكثر من أن تُذكَر شواهده.
المرتبة الثانية: حياة النُّموِّ والاغتذاء. وهذه الحياة مشتركةٌ بين النّبات والحيوان الذي يعيش بالغذاء، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: ٣٠].
وقد اختلف الفقهاء في الشُّعور: هل تحلُّها الحياة؟ على قولين (¬٣)، والصّواب: أنّها تحلُّها حياة النُّموِّ والاغتذاء، دون حياة الحسِّ والحركة،
---------------
(¬١) ت: «حقيقية».
(¬٢) البيت ضمن أبيات لِرُقَيقة بنت أبي صيفي مع خبر في «طبقات ابن سعد» (١/ ٨٩، ٩٠)، و «المنمق» لابن حبيب (ص ١٤٧)، و «المعجم الكبير» للطبراني (٢٤/ ٢٥٩ - ٢٦١)، و «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (٥/ ٢٣٣)، و «الإصابة» (١٣/ ٣٨٤) وغيرها. واجلوَّذ المطر: ذهب وامتدَّ وقتُ تأخّره وانقطاعه.
(¬٣) انظر: «الهداية» للمرغيناني (١/ ٢١)، «المنتقى» للباجي (٣/ ١٣٧)، «المجموع للنووي» (١/ ٢٧٥)، «الإنصاف» (١/ ٩٢)، «بداية المجتهد» (١/ ٦٨).