كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)
ولمّا خرج موسى عليه السلام هاربًا من قوم فرعون انتهى إلى مدين على الحال التي ذَكَر الله، وهو وحيدٌ غريبٌ خائفٌ جائعٌ، فقال: يا ربِّ وحيدٌ مريضٌ غريبٌ، فقيل له: يا موسى الوحيد مَن ليس له مثلي أنيسٌ، والمريض مَن ليس له مثلي طبيبٌ، والغريب مَن ليس بيني وبينه معاملةٌ (¬١).
فالغربة ثلاثة أنواعٍ:
غربة أهل الله وأهل سنّة رسوله (¬٢) بين هذا الخلق، وهي الغربة التي مدح رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أهلَها، وأخبر عن الدِّين الذي جاء به: أنّه بدأ غريبًا، وأنّه سيعود غريبًا (¬٣)، وأنّ أهله يصيرون غرباء.
وهذه الغربة قد تكون في مكانٍ دون مكانٍ، ووقتٍ دون وقتٍ، وبين قومٍ دون غيرهم (¬٤)، ولكنّ أهل هذه الغربة هم أهل الله حقًّا، فإنّهم لم يأووا إلى غير الله، ولم ينتسبوا إلى غير رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به، وهم الذين فارقوا النّاسَ أحوجَ ما كانوا إليهم، فإذا انطلق النّاسُ يوم القيامة مع آلهتهم بقوا في مكانهم، فيقال لهم: ألا تنطلقون حيث انطلقَ النّاس؟ فيقولون: فارَقْنا النّاسَ ونحن أحوجُ منَّا إليهم اليوم، وإنّا ننتظر ربَّنا الذي كنَّا نعبده (¬٥).
---------------
(¬١) لم أعثر عليه.
(¬٢) في هامش ش، د «- صلى الله عليه وسلم -» دون علامة اللحق.
(¬٣) «وأنه سيعود غريبا» من ت، ر، وفي ط مع زيادة: «كما بدأ».
(¬٤) ر: «قوم غيرهم».
(¬٥) تقدم تخريجه وهو في «الصحيح».