كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)
وعشيرته.
وكان المستجيبون لدعوة الإسلام نزّاعًا من القبائل، آحادًا (¬١) منهم تفرّقوا (¬٢) عن قبائلهم وعشائرهم، ودخلوا في الإسلام، فكانوا هم الغرباء حقًّا، حتّى ظهر الإسلام وانتشرت دعوته ودخل النّاسُ فيه (¬٣) أفواجًا، فزالت تلك الغُربةُ عنهم، ثمّ أخذ في الاغتراب والتّرحُّل، حتّى عاد غريبًا كما بدأ، بل الإسلام الحقُّ الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه هو اليوم أشدُّ غربةً منه في أوّل ظهوره، وإن كانت أعلامُه ورسومُه الظّاهرة مشهورةً معروفةً، فالإسلام الحقيقيُّ غريبٌ جدًّا، وأهله غرباء (¬٤) بين النّاس.
وكيف لا تكون فرقةٌ واحدةٌ قليلةٌ جدًّا غريبةً بين اثنتين وسبعين فرقةً، ذات أتباعٍ ورئاساتٍ ومناصب وولاياتٍ، لا يقوم لها سوقٌ إلّا بمخالفة ما جاء به الرّسولُ - صلى الله عليه وسلم -؟ فإنّ نفس ما جاء به يضادُّ أهواءهم (¬٥)، وما هم عليه من الشُّبهات (¬٦) التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم، والشّهوات التي هي غاية (¬٧) مقاصدهم وإراداتهم؟
فكيف لا يكون المؤمن السّائر إلى الله على طريق المتابعة غريبًا بين
---------------
(¬١) ر، ط: «بل آحادا».
(¬٢) ت، ر: «تغربوا».
(¬٣) ش: «ودخل فيه»، د: «فيها».
(¬٤) ط زيادة: «أشدّ الغربة».
(¬٥) ر، ط زيادة: «ولذّاتهم»، وت: «وآراءهم».
(¬٦) ر، ط زيادة: «والبدع».
(¬٧) ر، ط: «غايات».