كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

فصل
قال صاحب «المنازل» (¬١): (باب الغرق. قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: ١٠٣]. هذا اسمٌ يُشار به في هذا الباب إلى من توسَّطَ المقامَ وجاوزَ حدَّ التّفرُّق).
وجه استدلاله بإشارة الآية: أنّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لمّا بلغ ما بلغ (¬٢) هو وولده في المبادرة إلى الامتثال، والعزمِ على إيقاع الذّبح المأمور به، ألقى (¬٣) الولدَ على جَنْبه في الحال، وأخذَ الشَّفرةَ وأهوى إلى حلقه= أعرضَ في تلك الحال عن نفسه وولده، وفني بأمر الله عنهما، فتوسَّطَ بحرَ جمْعِ السِّرِّ والقلب والهمِّ على الله، وجاوزَ حدَّ التّفرقةِ المانعة من امتثال هذا الأمر.
وقوله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} أي: استسلما وانقادا لأمر الله، فلم يبقَ هناك منازعةٌ لا من الوالد ولا من الولد، بل استسلامٌ صِرفٌ وتسليمٌ محضٌ.
وقوله: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أي: صَرعَه على جبينه، وهو جانب الجبهة الذي يلي الأرضَ عند النّوم، وتلك هيئةُ ما يُراد ذبحه.
وقوله: (توسّط المقام) لا يريد به مقامًا معيّنًا، ولذلك أبهمه ولم يُقيِّده. و «المقام» عندهم: منزلٌ من منازل السّالكين، وهو يختلف باختلاف مراتبه، وله بدايةٌ وتوسُّطٌ ونهايةٌ، فالغرق المشار إليه: أن يصير في وسط المقام.
---------------
(¬١) (ص ٨٨).
(¬٢) «ما بلغ» ليست في ر، ت.
(¬٣) ش: «ألقاه».

الصفحة 87