كتاب المقصد الأسنى

الْأَعْيَان لم ينطبع صُورَة فِي الأذهان وَلَو لم ينطبع فِي صُورَة الأذهان لم يشْعر بهَا إِنْسَان وَلَو لم يشْعر بهَا الْإِنْسَان لم يعبر عَنْهَا بِاللِّسَانِ فَإِذا اللَّفْظ وَالْعلم والمعلوم ثَلَاثَة أُمُور متباينة لَكِنَّهَا مُتَطَابِقَة متوازية وَرُبمَا تَلْتَبِس على البليد فَلَا يُمَيّز الْبَعْض مِنْهَا عَن الْبَعْض
وَكَيف لَا تكون هَذِه الوجودات متمايزة وَيلْحق كل وَاحِد مِنْهَا خَواص لَا يلْحق الْأُخْرَى فَإِن ذالإنسان مثلا من حَيْثُ أَنه مَوْجُود فِي الْأَعْيَان يلْحقهُ أَنه نَائِم ويقظان وَحي وميت وقائم وماش وقاعد وَغير ذَلِك وَمن حَيْثُ أَنه مَوْجُود فِي الأذهان يلْحقهُ أَنه مُبْتَدأ وَخبر وعام وخاص وجزئي وكلي وَقَضِيَّة وَغير ذَلِك وَمن حَيْثُ أَنه مَوْجُود فِي اللِّسَان يلْحقهُ أَنه عَرَبِيّ وعجمي وتركي وزنجي وَكثير الْحُرُوف وقليلها وَأَنه اسْم وَفعل وحرف وَغير ذَلِك وَهَذَا الْوُجُود يجوز أَن يخْتَلف بالأعصار ويتفاوت فِي عَادَة أهل الْأَمْصَار
فَأَما الْوُجُود الَّذِي فِي الْأَعْيَان والأذهان فَلَا يخْتَلف بالأعصار والأمم الْبَتَّةَ
فَإِذا عرفت هَذَا فدع عَنْك الْآن الْوُجُود الَّذِي فِي الْأَعْيَان والأذهان وَانْظُر فِي الْوُجُود اللَّفْظِيّ فَإِن غرضنا يتَعَلَّق بِهِ فَنَقُول
الْأَلْفَاظ عبارَة عَن الْحُرُوف الْمُقطعَة الْمَوْضُوعَة بِالِاخْتِيَارِ الإنساني للدلالة على أَعْيَان الْأَشْيَاء وَهِي منقسمة إِلَى مَا هُوَ مَوْضُوع أَولا وَإِلَى مَا هُوَ مَوْضُوع ثَانِيًا
أما الْمَوْضُوع أَولا فكقولك سَمَاء وَشَجر وإنسان وَغير ذَلِك
وَأما الْمَوْضُوع ثَانِيًا فكقولك اسْم وَفعل وحرف وَأمر وَنهي ومضارع وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه مَوْضُوع وضعا ثَانِيًا لِأَن الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة للدلالة على الْأَشْيَاء منقسمة إِلَى مَا يدل على معنى فِي غَيره فيسمى حرفا وَإِلَى مَا يدل على معنى فِي نَفسه وَمَا يدل على معنى فِي نَفسه يَنْقَسِم إِلَى مَا يدل على زمَان وجود ذَلِك

الصفحة 26