كتاب المقصد الأسنى

الْوَجْه الثَّالِث أَن يَقُول الْقَائِل الثَّلج أَبيض بَارِد فالأبيض والبارد وَاحِد والأبيض هُوَ الْبَارِد فَهَذَا أبعد الْوُجُوه وَيرجع ذَلِك إِلَى وحدة الْمَوْضُوع الْمَوْصُوف بالوصفين مَعْنَاهُ أَن عينا وَاحِدَة مَوْصُوفَة بالبياض والبرودة
وعَلى الْجُمْلَة فقولنا هُوَ هُوَ يدل على كَثْرَة لَهَا وحدة من وَجه فَإِنَّهُ إِذا لم يكن وحدة لم يُمكن أَن يُقَال هُوَ هُوَ وَاحِد وَمَا لم يكن كَثْرَة لم يكن هُوَ هُوَ فَإِنَّهُ إِشَارَة إِلَى شَيْئَيْنِ
فلنرجع إِلَى غرضنا فَنَقُول من ظن أَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى على قِيَاس الْأَسْمَاء المترادفة كَمَا يُقَال الْخمر هِيَ الْعقار فقد أَخطَأ جدا لِأَن مَفْهُوم الْمُسَمّى غير مَفْهُوم الِاسْم إِذْ بَينا أَن الِاسْم لفظ دَال والمسمى مَدْلُول وَقد يكون غير لفظ وَلِأَن الِاسْم عَرَبِيّ وعجمي وتركي أَي مَوْضُوع الْعَرَب والعجم وَالتّرْك والمسمى قد لَا يكون كَذَلِك وَالِاسْم إِذا سُئِلَ عَنهُ قيل مَا هُوَ والمسمى إِذا سُئِلَ عَنهُ رُبمَا قيل من هُوَ كَمَا إِذا حضر شخص فَيُقَال مَا اسْمه فَيُقَال زيد وَإِذا سُئِلَ عَنهُ قيل من هُوَ وَإِذا سمي التركي الْجَمِيل باسم الهنود قيل اسْم قَبِيح ومسمى حسن وَإِذا سمي باسم كثير الْحُرُوف ثقيل المخارج قيل اسْم ثقيل ومسمى خَفِيف وَالِاسْم قد يكون مجَازًا والمسمى لَا يكون مجَازًا وَالِاسْم قد يُبدل على سَبِيل التفاؤل والمسمى لَا يتبدل وَهَذَا كُله يعرفك أَن الِاسْم غير الْمُسَمّى وَلَو تَأَمَّلت وجدت فروقا كَثِيرَة غير ذَلِك وَلَكِن الْبَصِير يَكْفِيهِ الْيَسِير والبليد لَا يزِيدهُ التكثير إِلَّا تحيرا
وَأما الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ أَن يُقَال الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى على معنى أَن الْمُسَمّى مُشْتَقّ من الِاسْم وَيدخل فِيهِ كَمَا يدْخل السَّيْف فِي مَفْهُوم الصارم فَهَذَا إِن قيل بِهِ فَيلْزم عَلَيْهِ أَن يكون التَّسْمِيَة والمسمي وَالِاسْم والمسمى كُله وَاحِدًا لِأَن الْكل مُشْتَقّ من الِاسْم وَيدل عَلَيْهِ وَهَذَا مجازفة فِي الْكَلَام وَهُوَ كَقَوْل الْقَائِل الْحَرَكَة والتحريك والمحرك والمحرك وَاحِد إِذْ الْكل مُشْتَقّ من الْحَرَكَة وَهُوَ

الصفحة 29