كتاب المقصد الأسنى

لفظ الْعَالم إِذْ مَفْهُوم الْإِنْسَان حَيَوَان نَاطِق عَاقل وَمَفْهُوم الْعَالم شَيْء مُبْهَم لَهُ علم فأحد اللَّفْظَيْنِ غير اللَّفْظ الآخر وَمَفْهُوم أَحدهمَا غير مَفْهُوم الآخر فَهُوَ بِهَذَا الْوَجْه هُوَ غير لَا يجوز أَن يُقَال هُوَ هُوَ وبوجه آخر هُوَ هُوَ وَلَا يجوز أَن يُقَال بذلك الْوَجْه إِلَّا هُوَ غَيره وَذَلِكَ إِذا نظرت إِلَى الذَّات الْوَاحِدَة الَّتِي تُوصَف بِأَنَّهَا إِنْسَان وَأَنَّهَا عَالِمَة فَإِن الْمُسَمّى بالإنسان هُوَ الْمَوْصُوف بِأَنَّهُ عَالم كَمَا أَن الْمُسَمّى بالثلج هُوَ الْمَوْصُوف بِأَنَّهُ بَارِد وأبيض فَبِهَذَا النَّوْع من النّظر وَالِاعْتِبَار هُوَ هُوَ وبالاعتبار الأول هُوَ غَيره ومحال فِي الْعقل أَن يكون الِاعْتِبَار وَاحِدًا وَيكون لَا هُوَ هُوَ وَلَا غَيره كَمَا يَسْتَحِيل أَن يكون هُوَ هُوَ وَغَيره لِأَن الْغَيْر والهو هُوَ متقابلان تقَابل النَّفْي وَالْإِثْبَات فَلَيْسَ بَينهمَا وَاسِطَة
وَمن فهم هَذَا علم أَنه إِذا أثبت لله عز وَجل وصف الْقُدْرَة وَالْعلم زَائِدا على الذَّات فقد أثبت مَا هُوَ غير الذَّات وَأثبت للغيرية معنى وَإِن لم يُطلقهُ لفظا توقفا إِلَى وُرُود التَّوْقِيف فَكيف لَا وَإِذا ذكر حد الْعلم دخل فِيهِ علم الله عز وَجل وَلم يدْخل فِيهِ قدرته وَلَا ذَاته وَالْخَارِج عَن الْحَد كَيفَ لَا يكون غير الدَّاخِل فِي الْحَد وَكَيف لَا يجوز لحاد الْعلم إِذا لم يدْخل فِي حَده الْقُدْرَة أَن يعْتَذر وَيَقُول لَا يضرني خُرُوج الْقُدْرَة عَن الْحَد لِأَنِّي حددت الْعلم وَالْقُدْرَة غير الْعلم فَلَا يلْزَمنِي إدخالها فِي حد الْعلم فَكَذَلِك الذَّات العالمة غير الْعلم فَلَا يلْزَمنِي إدخالها فِي حد الْعلم فَمن استنكر قَول الْقَائِل الدَّاخِل فِي الْحَد غير الْخَارِج مِنْهُ وأحال إِطْلَاق لفظ الْغَيْر هَاهُنَا كَانَ من جملَة من لم يفهم معنى لفظ الْغَيْر وَمَا عِنْدِي أَنه لَا يفهم فَإِن معنى لفظ الْغَيْر ظَاهر لَكِن عساه يَقُول بِلِسَانِهِ مَا ينبو عَنهُ عقله ويكذبه فِيهِ سره وَلَيْسَ الْغَرَض من المحاجة البرهانية اقتناص الْأَلْسِنَة بل اقتناص الْعُقُول لتعترف بَاطِنا بِمَا هُوَ الْحق أفْصح عَنهُ بِاللِّسَانِ أَو لم يفصح
فَإِن قيل إِنَّمَا اضْطر الْقَائِلين بِأَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى إِلَى القَوْل بِهِ الحذر

الصفحة 35