كتاب المال والحكم في الإسلام

أما حد الضرورة في الإنفاق فانه يمتد من الفضول إلى نفس الجزء المخصص لسد حاجة المستخلف على المال، فيصبح للغير من الأفراد للجماعة الحق في أخذ ما تدعو الضرورة لأخذه من هذا الجزء قل المأخوذ أو كثر لسد بعض حاجة الآخرين ولتوفير المال الضروري لصيانة أمن الدولة الخارجي والداخلي.

ولا ينتقل حد الإنفاق إلى الجزء المخصص لسد حاجة المستخلف على المال إلا لضرورات تقتضي هذا الانتقال. ونستطيع أن نضرب على هذه الضرورات أمثلة حدثت في مطلع العهد الإسلامي.

وأول هذه الأمثلة كان في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد أمر المسلمين بالهجرة من مكة إلى المدينة فهجروا مكة متسللين تاركين أموالهم نَهْبًا لمشركي قريش ودخلوا المدينة وأكثرهم لا يملك قوت يومه، وما ترك المهاجرون كل أموالهم إلا استجابة لأمر الله، وجهادًا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8]. فلما وصل الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، وأنزل المهاجرين على الأنصار يشاركونهم في كل ما يملكون، ويقاسمونهم القليل والكثير، ولم تكن أموال الأنصار التي تتسع لهم وللمهاجرين ولكنهم رحبوا بالمهاجرين وآثروهم على أنفسهم وهم في أشد الحاجة إلى ما يؤثرون به غيرهم، وما فعلوا

الصفحة 64