كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 1)

كَنْعَانَ، وَمَعْنَى الِابْتِلَاءِ الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ وَالْأَمْرُ، وَابْتِلَاءُ اللَّهِ الْعِبَادَ لَيْسَ لِيَعْلَمَ أَحْوَالَهُمْ بِالِابْتِلَاءِ، لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِهِمْ، وَلَكِنْ لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ أَحْوَالَهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتَلَى اللَّهُ بِهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هِيَ ثَلَاثُونَ سَمَّاهُنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُبْتَلَ بِهَا أَحَدٌ فَأَقَامَهَا كُلَّهَا إِلَّا إِبْرَاهِيمُ فَكُتِبَ لَهُ الْبَرَاءَةُ، فَقَالَ تَعَالَى: "وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى" (37-النَّجْمِ) عَشْرٌ فِي بَرَاءَةَ "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ" إِلَى آخِرِهَا، وَعَشْرٌ فِي الْأَحْزَابِ "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ" وَعَشْرٌ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ" الْآيَاتِ، وَقَوْلُهُ "إِلَّا الْمُصَلِّينَ" فِي سَأَلَ سَائِلٌ (1) .
وَقَالَ طاووس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِعَشَرَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَالسِّوَاكُ، وَفَرْقُ الرَّأْسِ، وَخَمْسٌ فِي الْجَسَدِ: تَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَالْخِتَانُ، وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ (2) .
وَفِي الْخَبَرِ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلُ مَنْ قَصَّ الشَّارِبَ، وَأَوَّلُ مَنِ اخْتَتَنَ، وَأَوَّلُ مَنْ قَلَّمَ الْأَظَافِرَ، وَأَوَّلُ مَنْ رَأَى الشَّيْبَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: يَا رَبِّ مَا هَذَا؟ قَالَ [سِمَةُ] (3) الْوَقَارِ، قَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا" (4) قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الْآيَاتُ الَّتِي بَعْدَهَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ "إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا" (124-الْبَقَرَةِ) إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ وَقَتَادَةُ: مَنَاسِكُ الْحَجِّ، وَقَالَ الْحَسَنُ: ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِسَبْعَةِ أَشْيَاءَ: بِالْكَوَاكِبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، فَأَحْسَنَ فِيهَا النَّظَرَ وَعَلِمَ أَنَّ رَبَّهُ دَائِمٌ لَا يَزُولُ، وَبِالنَّارِ فَصَبَرَ عَلَيْهَا، وَبِالْهِجْرَةِ وَبِذَبْحِ ابْنِهِ وَبِالْخِتَانِ فَصَبَرَ عَلَيْهَا، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ إِذْ يَرْفَعَانِ الْبَيْتَ "رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا" (127-الْبَقَرَةِ) الْآيَةَ فَرَفَعَاهَا بسبحان اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [وَاللَّهُ أَكْبَرُ] (5) ، قَالَ يَمَانُ بْنُ رَبَابٍ: هُنَّ مُحَاجَّةُ قَوْمِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ" إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى -"وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ" (83-الْأَنْعَامِ) وَقِيلَ هِيَ قَوْلُهُ: "الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ" (78-الشُّعَرَاءِ) إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. {فَأَتَمَّهُنَّ} قَالَ قَتَادَةُ: أَدَّاهُنَّ، قَالَ الضَّحَّاكُ: قَامَ بِهِنَّ وَقَالَ: [نُعْمَانُ] (6) عَمِلَ بِهِنَّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} يُقْتَدَى بِكَ فِي الْخَيْرِ {قَالَ} إِبْرَاهِيمُ
__________
(1) انظر: البحر المحيط: 1 / 375.
(2) انظر تفسير ابن كثير 1 / 289، والبحر المحيط: 1 / 375.
(3) ساقطة من ب.
(4) قال القرطبي في التفسير: 2 / 98 وفي الموطأ وغيره عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إبراهيم عليه السلام أول من اختتن ... إلخ. وانظر: الدر المنثور: 1 / 281.
(5) وفي ب يمان.
(6) ساقطة في ب.

الصفحة 145