كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 1)

مَسْعُودٍ" (1) . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ.
{إِلَهًا وَاحِدًا} نَصْبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ إِلَهَكَ وَقِيلَ نَعْرِفُهُ إِلَهًا وَاحِدًا {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
{تِلْكَ أُمَّةٌ} جَمَاعَةٌ {قَدْ خَلَتْ} مَضَتْ {لَهَا مَا كَسَبَتْ} مِنَ الْعَمَلِ {وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يَعْنِي: يُسْأَلُ كُلٌّ عَنْ عَمَلِهِ لَا عَنْ عَمَلِ غَيْرِهِ.
__________
(1) قال ابن أبي شيبة في المغازي من مصنفه 14 / 480-484: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: "لما وادع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل مكة ... " إلى أن قال: "فانطلق العباس فركب بغلة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشهباء وانطلق إلى قريش ليدعوهم إلى الله، فأبطا عليه فقال رسول الله عليه وسلم "ردوا علي أبي فإن عم الرجل صنو أبيه أخاف أن تفعل به ... " انظر الكافي الشاف لابن حجر، ص 11، 12.
{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَمَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ وَوَهْبِ بْنِ يَهُودَا وَأَبِي يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، وَفِي نَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ السَّيِّدِ وَالْعَاقِبِ وَأَصْحَابِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَاصَمُوا الْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ كُلُّ فِرْقَةٍ تَزْعُمُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِدِينِ اللَّهِ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: نَبِيُّنَا مُوسَى أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ، وَكِتَابُنَا التَّوْرَاةُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ، وَكَفَرَتْ بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى: نَبِيُّنَا أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَكِتَابُنَا الْإِنْجِيلُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ وَكَفَرَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِلْمُؤْمِنِينَ كُونُوا عَلَى دِينِنَا فَلَا دِينَ إِلَّا ذَلِكَ (1) فَقَالَ تَعَالَى {قُلْ} يَا مُحَمَّدُ {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} بَلْ نَتَّبِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: اتَّبَعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ بَلْ نَكُونُ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ فَحَذَفَ "عَلَى" فَصَارَ مَنْصُوبًا {حَنِيفًا} نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ عِنْدَ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ، وَعِنْدَ نُحَاةِ الْكُوفَةِ نَصْبٌ عَلَى الْقَطْعِ أَرَادَ بَلْ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِ فَلَمَّا سَقَطَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لَمْ يَتْبَعِ الْمَعْرِفَةُ النَّكِرَةَ فَانْقَطَعَ مِنْهُ فَنُصِبَ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَنِيفِيَّةُ اتِّبَاعُ إِبْرَاهِيمَ فِيمَا أَتَى بِهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي صَارَ بِهَا إِمَامًا لِلنَّاسِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَنِيفُ الْمَائِلُ عَنِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَنَفِ، وَهُوَ مَيْلٌ وَعِوَجٌ يَكُونُ فِي الْقَدَمِ،
__________
(1) انظر: الوسيط للواحدي ص202، وقد جاء عنده مفصلا في أسباب النزول: 1 / 38.

الصفحة 155