كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 1)

وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ بِالتَّاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ} وَقَالَ بَعْدَهُ {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ يَعْنِي يَقُولُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ} يَا مُحَمَّدُ {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ} بِدِينِهِمْ {أَمِ اللَّهُ} وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لم يكن 20/أيَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ} أَخْفَى {شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} وَهِيَ عِلْمُهُمْ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَبَنِيهِ كَانُوا مُسْلِمِينَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ وَرَسُولٌ أَشْهَدَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِمْ {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} كَرَّرَهُ (1) تَأْكِيدًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} الْجُهَّالُ {مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ} صَرَفَهُمْ وَحَوَّلَهُمْ {عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَالْقِبْلَةُ فِعْلَةٌ مِنَ الْمُقَابَلَةِ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَمُشْرِكِي مَكَّةَ طَعَنُوا فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالُوا لِمُشْرِكِي مَكَّةَ: قَدْ تَرَدَّدَ عَلَى مُحَمَّدٍ أَمْرُهُ فَاشْتَاقَ إِلَى مَوْلِدِهِ وَقَدْ تَوَجَّهَ نَحْوَ بَلَدِكُمْ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى دِينِكُمْ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} لَهُ وَالْخَلْقُ عَبِيدُهُ. {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ، قَالُوا لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: مَا تَرَكَ مُحَمَّدٌ قِبْلَتَنَا إِلَّا حَسَدًا، وَإِنَّ قِبْلَتَنَا قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَقَدْ عَلِمَ مُحَمَّدٌ أَنَّا عَدْلٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: إِنَّا عَلَى حَقٍّ وَعَدْلٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ} أَيْ وَهَكَذَا، وَقِيلَ: الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ أَيْ كَمَا اخْتَرْنَا إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتَهُ وَاصْطَفَيْنَاهُمْ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} مَرْدُودَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: "وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا" (103-الْبَقَرَةِ) أَيْ عَدْلًا خِيَارًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "قَالَ أَوْسَطُهُمْ" (28-الْقَلَمِ) أَيْ خَيْرُهُمْ وَأَعْدَلُهُمْ وَخَيْرُ الْأَشْيَاءِ أَوْسَطُهَا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ يَعْنِي أَهْلَ دِينٍ وَسَطٍ بَيْنِ الْغُلُوِّ وَالتَّقْصِيرِ لِأَنَّهُمَا مَذْمُومَانِ فِي الدِّينِ.
__________
(1) في "أ"=كرر.

الصفحة 158