كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 1)

يُقْتَلُ يَمْتَنِعُ عَنِ الْقَتْلِ، فَيَكُونُ فِيهِ بَقَاؤُهُ وَبَقَاءُ مَنْ هَمَّ بِقَتْلِهِ، وَقِيلَ فِي الْمَثَلِ: "الْقَتْلُ قَلَّلَ الْقَتْلَ" وَقِيلَ فِي الْمَثَلِ: "الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ" وَقِيلَ مَعْنَى الْحَيَاةِ سَلَامَتُهُ مِنْ قِصَاصِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا اقتص منه حيي فِي الْآخِرَةِ وَإِذَا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا اقْتُصَّ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ {يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أَيْ تَنْتَهُونَ عَنِ الْقَتْلِ مَخَافَةَ الْقَوَدِ.
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} أَيْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} أَيْ جَاءَهُ أَسْبَابُ الْمَوْتِ وَآثَارُهُ مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَمْرَاضِ {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} أَيْ مَالًا نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى "وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ" (272-الْبَقَرَةِ) {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} كَانَتِ الْوَصِيَّةُ فَرِيضَةً فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ عَلَى مَنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ (1) .
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" (2) فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ وُجُوبَهَا صَارَ مَنْسُوخًا فِي حَقِّ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ يَرِثُونَ وَبَقِيَ وُجُوبُهَا فِي حَقِّ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابن عباس وطاووس وَقَتَادَةَ والحسن قال طاووس: مَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ سَمَّاهُمْ وَتَرَكَ ذَوِي قَرَابَتِهِ مُحْتَاجِينَ انْتُزِعَتْ مِنْهُمْ وَرُدَّتْ إِلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْوُجُوبَ صَارَ مَنْسُوخًا فِي حَقِّ الْكَافَّةِ وَهِيَ حَتْمِيَّةٌ فِي حَقِّ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ.
__________
(1) انظر: الناسخ والمنسوخ لأبي القاسم بن سلامة ص (16) ، أحكام القرآن للجصاص: 1 / 203-207.
(2) حديث صحيح رواه أبو داود: في الوصايا: باب - في الوصية للوارث: 4 / 150. والترمذي: في الوصايا - باب: ما جاء لا وصية لوارث: 6 / 309. وقال حديث حسن صحيح. والنسائي: في الوصايا: 6 / 247. وابن ماجه: في الوصايا: 2712و2714-2 / 905-906. وأحمد: 4 / 186-5 / 267 عن عمرو بن خارجة وجزء من حديث عن أبي أمامة الباهلي. والمصنف في شرح السنة: 5 / 288-289. وفي الباب عن ابن عباس، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص وعن جابر، وعن زيد بن أرقم وعن علي، وعن خارجة بن عمرو الجمحي وعن البراء. انظر نصب الراية 4 / 403،405.

الصفحة 192