كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 1)

الْإِحْرَامِ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ وَتَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ، وَأَخْذِ الْأَشْعَارِ، وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ؛ هُوَ السِّبَابُ بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ" (1) وَقَالَ الضَّحَّاكُ هُوَ التَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ" (11-الْحُجُرَاتِ) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا آدَمُ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ أبو الحكم 30/ب قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (2) .
قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: الْجِدَالُ أَنْ يُمَارِيَ صَاحِبَهُ وَيُخَاصِمَهُ حَتَّى يُغْضِبَهُ، وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: هُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْضُهُمُ الْحَجُّ الْيَوْمَ وَيَقُولَ بَعْضُهُمُ الْحَجُّ غَدًا، وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا اجْتَمَعَتْ بِمِنًى قَالَ هَؤُلَاءِ: حَجُّنَا أَتَمُّ مِنْ حَجِّكُمْ، وَقَالَ هَؤُلَاءِ: حَجُّنَا أَتَمُّ مِنْ حَجِّكُمْ وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَدْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ: "اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ" (3) قَالُوا كَيْفَ نَجْعَلُهُ عُمْرَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَهَذَا جِدَالُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانُوا يَقِفُونَ مَوَاقِفَ مُخْتَلِفَةً كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّ مَوْقِفَهُ مَوْقِفُ إِبْرَاهِيمَ يَتَجَادَلُونَ فِيهِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقِفُ بِعَرَفَةَ وَبَعْضُهُمْ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَحُجُّ فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَحُجُّ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَكُلٌّ يَقُولُ مَا فَعَلْتُهُ فَهُوَ الصَّوَابُ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} أَيِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ الْحَجِّ عَلَى مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ مِنْ بَعْدُ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ" (4) قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ وَلَا شَكَّ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَأُبْطِلُ النَّسِيءُ قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: ظَاهِرُ الْآيَةِ نَفْيٌ، وَمَعْنَاهَا نَهْيٌ، أَيْ لَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا وَلَا تُجَادِلُوا، كَقَوْلِهِ
__________
(1) رواه البخاري في الإيمان باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله 1 / 110. ومسلم في الإيمان باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" برقم (116) 1 / 81، والمصنف في شرح السنة: 1 / 76.
(2) رواه البخاري في الحج باب فضل الحج المبرور 3 / 382. ومسلم: في الحج باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) 2 / 983، والمصنف في شرح السنة: 7 / 4.
(3) سبق تخريجه انظر فيما سبق ص (225) .
(4) قطعة من حديث رواه البخاري في الأضاحي باب من قال الأضحى يوم النحر 10 / 7. ومسلم: في القسامة باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال برقم (1679) 3 / 1305. والمصنف في شرح السنة 7 / 216.

الصفحة 227