كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 1)

يُقَالُ: قَامَ بِالْأَمْرِ، وَأَقَامَ الْأَمْرَ إِذَا أَتَى بِهِ مُعْطًى حُقُوقَهُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ذُكِرَ بِلَفْظِ (الْوُحْدَانِ) (1) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ" (213-الْبَقَرَةِ) يَعْنِي الْكُتُبَ.
وَالصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ: الدُّعَاءُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَصَلِّ عَلَيْهِمْ" (103-التَّوْبَةِ) أَيِ ادْعُ لَهُمْ، وَفِي الشَّرِيعَةِ اسْمٌ لِأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقُعُودٍ وَدُعَاءٍ وَثَنَاءٍ. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ" (56-الْأَحْزَابِ) الْآيَةَ إِنَّ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الرَّحْمَةُ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ، وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ: الدُّعَاءُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} (أَيْ) (2) أَعْطَيْنَاهُمْ وَالرِّزْقُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ حَتَّى الْوَلَدِ وَالْعَبْدِ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ {يُنْفِقُونَ} يَتَصَدَّقُونَ. قَالَ قَتَادَةُ: يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ. وَأَصْلُ الْإِنْفَاقِ: الْإِخْرَاجُ عَنِ الْيَدِ وَالْمُلْكِ، وَمِنْهُ نِفَاقُ السُّوقِ؛ لِأَنَّهُ تَخْرُجُ فِيهِ السِّلْعَةُ عَنِ الْيَدِ، ومنه: نَفَقَتِ الدَّابَّةُ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهَا. فَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} يَعْنِي الْقُرْآنَ {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَسَائِرُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَيَتْرُكُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَقَالُونُ (وَأَبُو عَمْرٍو) (3) وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَيَعْقُوبُ كُلَّ مَدَّةٍ تَقَعُ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ. وَالْآخَرُونَ يَمُدُّونَهَا. وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبِالآخِرَةِ} أي بالدار الآخرة سميت الدنيا دنيا لدنوها من الآخرة وسميت الآخرة آخرة لتأخرها وكونها بعد الدنيا {هُمْ يُوقِنُونَ} أي يستيقنون أنها كائنة، مِنَ الْإِيقَانِ: وَهُوَ الْعِلْمُ. وَقِيلَ: الْإِيقَانُ وَالْيَقِينُ: عِلْمٌ عَنِ اسْتِدْلَالٍ. وَلِذَلِكَ لَا يُسَمَّى اللَّهُ مُوقِنًا وَلَا عِلْمُهُ يَقِينًا إِذْ لَيْسَ عِلْمُهُ عَنِ اسْتِدْلَالٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ} أَيْ أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ وَأُولَاءِ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الْكِنَايَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ نَحْوُ: هُمْ، وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ كَمَا فِي حَرْفِ ذَلِكَ {عَلَى هُدًى} أَيْ رُشْدٍ وَبَيَانٍ وَبَصِيرَةٍ {مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي الناجون 6/ب وَالْفَائِزُونَ فَازُوا بِالْجَنَّةِ وَنَجَوْا مِنَ النَّارِ، وَيَكُونُ الْفَلَاحُ بِمَعْنَى الْبَقَاءِ أَيْ بَاقُونَ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَأَصْلُ الْفَلَاحِ الْقَطْعُ وَالشَّقُّ وَمِنْهُ سُمِّي الزَّرَّاعُ فَلَّاحًا لِأَنَّهُ يَشُقُّ الْأَرْضَ وَفِي الْمَثَلِ: الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُفْلَحُ أَيْ يُشَقُّ فَهُمْ (مَقْطُوعٌ) (4) لَهُمْ بِالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
__________
(1) في (ب) : الواحد.
(2) زيادة من (ب) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) في ب: المقطوع.

الصفحة 63