كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 1)
خَالِقٌ. {فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} أَيْ بَدَلًا مِنْكُمْ وَرَافِعُكُمْ إِلَيَّ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْوَنَ الْمَلَائِكَةِ عِبَادَةً.
وَالْمُرَادُ بِالْخَلِيفَةِ هَاهُنَا آدَمُ سَمَّاهُ خَلِيفَةً لِأَنَّهُ خَلَفَ الْجِنَّ أَيْ جَاءَ بَعْدَهُمْ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ لِإِقَامَةِ أَحْكَامِهِ وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ (1) {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} بِالْمَعَاصِي. {وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} بِغَيْرِ حَقٍّ أَيْ كَمَا فَعَلَ بَنُو الْجَانِّ فَقَاسُوا الشَّاهِدَ عَلَى الْغَائِبِ وَإِلَّا فَهُمْ مَا كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} قَالَ الْحَسَنُ: نَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ وَهُوَ صَلَاةُ الْخَلْقِ {وَصَلَاةُ الْبَهَائِمِ وَغَيْرِهِمَا} (2) سِوَى الْآدَمِيِّينَ وَعَلَيْهَا يُرْزَقُونَ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ أَنَا وُهَيْبٌ أَنَا سَعِيدٌ الْجَرِيرِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَسْرِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ قَالَ: "مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ" (3) وَقِيلَ: وَنَحْنُ نُصَلِّي بِأَمْرِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ التَّسْبِيحِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ {وَنُقَدِّسُ لَكَ} أَيْ نُثْنِي عَلَيْكَ بِالْقُدْسِ وَالطَّهَارَةِ وَقِيلَ: وَنُطَهِّرُ أَنْفُسَنَا لِطَاعَتِكَ وَقِيلَ: وَنُنَزِّهُكَ. وَاللَّامُ صِلَةٌ وَقِيلَ: لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِرَاضِ وَالْعُجْبِ بِالْعَمَلِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ وَطَلَبِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِيهِ {قَالَ} اللَّهُ {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، وَقِيلَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يُطِيعُنِي وَيَعْبُدُنِي مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَقِيلَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ فِيكُمْ مَنْ يَعْصِينِي وَهُوَ إِبْلِيسُ، وَقِيلَ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يُذْنِبُونَ وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُمْ. قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ إِنِّيَ أَعْلَمُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ كَلُّ يَاءِ إِضَافَةٍ اسْتَقْبَلَهَا أَلِفٌ مَفْتُوحَةٌ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ مَعْدُودَةٍ وَيَفْتَحُونَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عِنْدَ الْأَلِفِ الْمَضْمُومَةِ وَالْمَكْسُورَةِ (وَعِنْدَ غَيْرِ الْأَلِفِ) (4) وَبَيْنَ الْقُرَّاءِ فِي تَفْصِيلِهِ اخْتِلَافٌ.
{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) }
قَوْلُهُ تَعَالَى {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} سُمِّيَ آدَمَ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ آدَمَ اللَّوْنِ
__________
(1) ولابن القيم في كتابه "مفتاح دار السعادة" 1 / 151 كلام مفيد وتفصيل رشيد حول خلافة الله في أرضه فليراجع لفائدته.
(2) ساقط من الأصل.
(3) أخرجه مسلم في الذكر والدعاء باب فضل سبحان الله وبحمده برقم (2731) : 4 / 2093 والترمذي في الدعوات، باب أي الكلام أحب إلى الله. 10 / 52 وقال هذا حديث حسن صحيح.
(4) في ب لأجل ألف.
الصفحة 79