كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)
{لِنْتَ لَهُمْ} أَيْ: سَهُلَتْ لَهُمْ أَخْلَاقُكَ وَكَثْرَةُ احْتِمَالِكَ وَلَمْ تُسْرِعْ إِلَيْهِمْ فِيمَا كَانَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا} يعني: جافيًا سيّء الْخُلُقِ قَلِيلَ الِاحْتِمَالِ، {غَلِيظَ الْقَلْبِ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَظًّا فِي الْقَوْلِ غَلِيظَ الْقَلْبِ فِي الْفِعْلِ، {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} أَيْ: لَنَفَرُوا وَتَفَرَّقُوا عَنْكَ، يُقَالُ: فَضَضْتُهُمُ فَانْفَضُّوا أَيْ فَرَّقْتُهُمْ فَتَفَرَّقُوا {فَاعْفُ عَنْهُمْ} تَجَاوَزْ عَنْهُمْ مَا أَتَوْا يَوْمَ أُحُدٍ، {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} حَتَّى أُشَفِّعَكَ فِيهِمْ، {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} أَيِ: اسْتَخْرِجْ آرَاءَهُمْ وَاعْلَمْ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: شُرْتُ الدَّابَّةَ وَشَوَّرْتُهَا إِذَا اسْتَخْرَجْتُ جَرْيَهَا وَشُرْتُ الْعَسَلَ وَأَشَرْتُهُ إِذَا أَخَذْتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَاسْتَخْرَجْتُهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُشَاوَرَةِ مَعَ كَمَالِ عَقْلِهِ وَجَزَالَةِ (1) رَأْيِهِ وَنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ عَلَى الْخَلْقِ فِيمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ خَاصٌّ فِي المعنى أي: وشاروهم فِيمَا لَيْسَ عِنْدَكَ فِيهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَهْدٌ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي نَاظِرْهُمْ فِي لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَمَكَايِدِ الْحَرْبِ عِنْدَ الْغَزْوِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَقَتَادَةُ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِمُشَاوَرَتِهِمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْطَفُ لَهُمْ عَلَيْهِ وَأَذْهَبُ لِأَضْغَانِهِمْ، فَإِنَّ سَادَاتِ الْعَرَبِ كَانُوا إِذَا لَمْ يُشَاوَرُوا فِي الْأَمْرِ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ عز وجل 72/أأَنَّهُ مَا بِهِ إِلَى مُشَاوَرَتِهِمْ حَاجَةٌ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الصَّالِحَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمَقَانِعِيُّ أَخْبَرَنَا أحمد بن ما هان، أَخْبَرَنِي أَبِي، أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَكْثَرَ اسْتِشَارَةً لِلرِّجَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (2) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} لَا عَلَى مُشَاوَرَتِهِمْ أَيْ: قُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَثِقْ بِهِ وَاسْتَعِنْهُ، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} .
__________
(1) في "أ" وجودة رأيه.
(2) أخرجه الترمذي عن أبي هريرة في الجهاد باب ما جاء في المشورة: 5 / 373 - 374 قال: ويروى عن أبي هريرة: ما رأيت أحدا. . . وأخرجه المصنف في شرح السنة: 13 / 188 وفيه طلحة بن زيد القرشي أبو مسكين أو أبو محمد الرقي أصله من دمشق؛ متروك. قال أحمد وعلي وأبو دواد: كان يضع الحديث. انظر: التقريب: 1 / 378. قال ابن حجر في الكاف الشافي ص (33) : أخرجه الشافعي: 2 / 177 (من ترتيب المسند) عن ابن عيينة عن الزهري عن أبي هريرة وهو منقطع وهو مختصر من الحديث الطويل في قصة الحديبية وغزوة الفتح وأخرجه ابن حبان من رواية عبد الرزاق عن عمر عن الزهري عن عروة عن المسور ومروان. . . ".
الصفحة 124