كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)

{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) }
{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} بِأُحُدٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ وَالْهَزِيمَةِ، {فَبِإِذْنِ اللَّهِ} أَيْ: بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ: لِيُمَيِّزَ وَقِيلَ لِيَرَى.
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أَيْ: لِأَجْلِ دِينِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، {أَوِ ادْفَعُوا} عَنْ أَهْلِكُمْ وَحَرِيمِكُمْ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ كَثِّرُوا سَوَادَ الْمُسْلِمِينَ وَرَابِطُوا إِنْ لَمْ تُقَاتِلُوا يَكُونُ ذَلِكَ دَفْعًا وَقَمْعًا لِلْعَدُوِّ، {قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ انْصَرَفُوا عَنْ أُحُدٍ وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ} أَيْ: إِلَى الْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ {مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ} (أَيْ: إِلَى الْإِيمَانِ) (1) ، {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ} يَعْنِي: كَلِمَةَ الْإِيمَانِ {مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}
{الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ} فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ وَهُمْ شُهَدَاءُ أُحُدٍ {وَقَعَدُوا} يَعْنِي: قَعَدَ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ عَنِ الْجِهَادِ {لَوْ أَطَاعُونَا} وَانْصَرَفُوا عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَدُوا فِي بُيُوتِهِمْ {مَا قُتِلُوا قُلْ} يَا مُحَمَّدُ، {فَادْرَءُوا} فَادْفَعُوا، {عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} إِنَّ الْحَذَرَ لَا يُغْنِي عَنِ الْقَدَرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} الْآيَةَ قِيلَ: نَزَلَتْ فِي شُهَدَاءِ بَدْرٍ (2) وَكَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ثَمَانِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ وَسِتَّةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ.
وَقَالَ الْآخَرُونَ: نَزَلَتْ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا أَرْبَعَةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعُثْمَانُ بْنُ شَمَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَسَائِرُهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ (3) .
__________
(1) زيادة من (ب) .
(2) انظر: تفسير الطبري: 7 / 390 الدر المنثور للسيوطي: 2 / 372.
(3) عزاه السيوطي لسعيد بن منصور وهو عنده في السنن في الجهاد باب جامع الشهادة: 2 / 319 وعبد بن حميد وابن أبي حاتم. الدر المنثور: 2 / 371 وانظر أسباب النزول ص (163) .

الصفحة 130