كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)
شَهْرٍ مُقِيمٍ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا جَرَى لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ الْأَجْرِ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ مِنَ الرِّزْقِ، وَأَمِنَ مِنَ الْفَتَّانِ" (1) .
وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوٌ يُرَابَطُ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ خَلْفَ الصَّلَاةِ، وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ الخطايا ويرفع 77/أبِهِ الدَّرَجَاتِ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ" (2) .
{وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ اللِّسَانِ: اصْبِرُوا عَلَى النَّعْمَاءِ وَصَابِرُوا عَلَى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَرَابِطُوا فِي دَارِ الْأَعْدَاءِ وَاتَّقُوا إِلَهَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فِي دَارِ الْبَقَاءِ.
__________
(1) أخرجه مسلم في الإمارة، باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل - برقم (1913) : 3 / 1520، بلفظ "رباط يوم وليلة" والمصنف في شرح السنة: 10 / 352. والفتان: يروي بضم الفاء وفتحها، فالضم جمع فاتن وهو الذي يضل الناس عن الحق ويفتنهم وبالفتح هو الشيطان، لأنه يفتن الناس عن الدين، وفتان: من أبنية المبالغة في الفتنة. انظر: النهاية: 3 / 410.
(2) أخرجه مسلم في الطهارة - باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره برقم (251) : 1 / 219، المصنف في شرح السنة: 1 / 320.
الصفحة 157