كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)

كَانَ إِذَا زَوَّجَهَا فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُمْ فِي الْعَشِيرَةِ لَمْ يُعْطِهَا مِنْ مَهْرِهَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا غَرِيبًا حَمَلُوهَا إِلَيْهِ عَلَى بَعِيرٍ وَلَمْ يُعْطُوهَا مِنْ مَهْرِهَا غَيْرَ ذَلِكَ. فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَمْرَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الْحَقَّ إِلَى أَهْلِهِ.
[قَالَ الْحَضْرَمِيُّ: كَانَ أَوْلِيَاءُ النِّسَاءِ يُعْطِي هَذَا أُخْتَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْآخَرُ أُخْتَهُ، وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا بِتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ فِي الْعَقْدِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نَهَى عَنِ الشِّغَارِ".
وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوَّجَ الرَّجُلُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ" (1)
وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْخِطَابُ لِلْأَزْوَاجِ أُمِرُوا بِإِيتَاءِ نِسَائِهِمُ الصَّدَاقَ، وَهَذَا أَصَحُّ، لِأَنَّ الْخِطَابَ فِيمَا قَبْلُ مَعَ النَّاكِحِينَ، وَالصَّدُقَاتُ: الْمُهُورُ، وَاحِدُهَا صَدُقَةٌ {نِحْلَةً} قَالَ قَتَادَةُ: فَرِيضَةٌ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَلَا تَكُونُ النِّحْلَةُ إِلَّا مُسَمَّاةً مَعْلُومَةً، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عَطِيَّةً وَهِبَةً، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: عَنْ طِيبِ نَفْسٍ] (2) ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: تَدَيُّنًا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ" (3) .
{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} يَعْنِي: فَإِنْ طَابَتْ نُفُوسُهُنَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَوَهَبْنَ مِنْكُمْ، فَنَقَلَ الْفِعْلَ مِنَ النُّفُوسِ إِلَى أَصْحَابِهَا فَخَرَجَتِ النَّفْسُ مُفَسِّرًا، فَلِذَلِكَ وَحَّدَ النَّفْسَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا" (هُودٍ -77) (الْعَنْكَبُوتِ -33) " وَقَرِيِّ عَيْنًا" (مَرْيَمَ -26) وَقِيلَ: لَفْظُهَا وَاحِدٌ وَمَعْنَاهَا جَمْعٌ، {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} سَائِغًا طَيِّبًا، يُقَالُ هَنَأَ فِي الطَّعَامِ يَهْنَأُ بِفَتْحِ النُّونِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْبَاقِي (4) ، وَقِيلَ: الْهَنَأُ: الطَّيِّبُ الْمُسَاغُ الَّذِي لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ، وَالْمَرِيءُ: الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ التَّامُّ
__________
(1) أخرجه البخاري في النكاح باب الشغار: 9 / 162، ومسلم في النكاح، باب تحريم الشغار وبطلانه برقم (1415) : 2 / 1034، والمصنف في شرح السنة: 9 / 97.
(2) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(3) أخرجه البخاري في الشروط، باب الشروط في المهر عند عقد النكاح: 5 / 323، وفي النكاح أيضا، ومسلم في النكاح، باب الوفاء بالشروط في النكاح برقم (1418) : 2 / 1035 - 1036، والمصنف في شرح السنة: 9 / 53.
(4) في أ: (الغابر) .

الصفحة 163