كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)

هُوَ بِمَعْنَى الظَّنِّ يَعْنِي: إِنْ ظَنَنْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا.
وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ] (1) شِقَاقٌ وَاشْتَبَهَ حَالُهُمَا فَلَمْ يَفْعَلِ الزَّوْجُ الصَّفْحَ وَلَا الْفُرْقَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلَا الْفِدْيَةَ وَخَرَجَا إِلَى مَا لَا يَحِلُّ قَوْلًا وَفِعْلًا بَعَثَ الْإِمَامُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ إِلَيْهِ وَحَكَمًا مَنْ أَهْلِهَا إِلَيْهَا، رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ، لِيَسْتَطْلِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَكَمَيْنِ رَأْيَ مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِ إِنْ كَانَتْ رَغْبَتُهُ فِي الْوُصْلَةِ (2) أَوْ فِي الْفُرْقَةِ، ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْحَكَمَانِ فَيُنْفِذَانِ مَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ رَأْيُهُمَا مِنَ الصَّلَاحِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا} يَعْنِي: الْحَكَمَيْنِ، {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} يَعْنِي: بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقِيلَ: بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ] (3) عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَأَمَرَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهِلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: أَتَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا؟ إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا، قَالَتِ الْمَرْأَةُ رَضِيتُ بِكِتَابِ اللَّهِ بِمَا عَلَيَّ فِيهِ وَلِي، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ (4) .
وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي جَوَازِ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجَيْنِ: وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِرِضَاهُمَا، وَلَيْسَ لِحَكَمِ الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ دُونَ رِضَاهُ، وَلَا لِحَكَمِ الْمَرْأَةِ أَنْ يُخَالِعَ عَلَى مَالِهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ قَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا قَالَ: كَذَّبْتَ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ. فَثَبَتَ أَنَّ تَنْفِيذَ الْأَمْرِ مَوْقُوفٌ عَلَى إِقْرَارِهِ وَرِضَاهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ بَعْثُ الْحَكَمَيْنِ دُونَ رِضَاهُمَا، وَيَجُوزُ لِحَكَمِ الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ دُونَ رِضَاهُ وَلِحَكَمِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَخْلَعَ دُونَ رِضَاهَا، إِذَا رَأَيَا الصَّلَاحَ، كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِمَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلرَّجُلِ حَتَّى تُقِرَّ: أَنَّ رِضَاهُ شَرْطٌ، بَلْ مَعْنَاهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ رَضِيَتْ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ [فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا يَعْنِي: الْفُرْقَةُ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ] (5) ، فَقَالَ عَلِيٌّ: كَذَّبْتَ، حَيْثُ أَنْكَرْتَ أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، بَلْ هِيَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، [فَإِنَّ
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من (أ) .
(2) في ب: (الصلح) .
(3) ما بين القوسين ساقط من (أ) وهكذا إلى نهاية الورقة (86 / أ) سقط الإسناد من نسخة (أ) .
(4) أخرجه الطبري في التفسير: 8 / 320 - 321، والشافعي في الأم: 5 / 177، وقال: حديث علي ثابت عندنا، وأخرجه البيهقي في السنن: 7 / 305 - 306. وإسناده صحيح. والمصنف في شرح السنة: 9 / 189 - 190.
(5) ما بين القوسين ساقط من: (أ) .

الصفحة 209