كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هَذَا فِي كِتْمَانِ الْعِلْمِ (1) .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي كَرَدْمِ بْنِ زَيْدٍ وَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ وَأُسَامَةَ بْنِ حَبِيبٍ وَنَافِعِ بْنِ أَبِي نَافِعٍ وَبَحْرِيِّ بْنِ عَمْرٍو كَانُوا يَأْتُونَ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَيُخَالِطُونَهُمْ فَيَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ وَلَا تَدْرُونَ مَا يَكُونُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: (2) {وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} يَعْنِي الْمَالَ، وَقِيلَ: يَعْنِي يَبْخَلُونَ بِالصَّدَقَةِ {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}
__________
(1) انظر الطبري: 8 / 352، وأسباب النزول للواحدي ص (145 - 146) .
(2) انظر الطبري: 8 / 353، أسباب النزول ص (146) ، الدر المنثور: 8 / 352.
{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) }
{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} مَحَلُّ "الَّذِينَ" نَصْبٌ، عَطْفًا عَلَى الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، وَقِيلَ: خَفْضٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَ {أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ} نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: فِي الْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: فِي مشركي مكة 85/أالْمُتَّفِقِينَ عَلَى عَدَاوَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
{وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا} صَاحِبًا وَخَلِيلًا {فَسَاءَ قَرِينًا} أَيْ: فَبِئْسَ الشَّيْطَانُ قَرِينًا وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَقِيلَ: عَلَى الْقَطْعِ بِإِلْقَاءِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ كَمَا تَقُولُ: نِعْمَ رَجُلًا عَبْدُ اللَّهِ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: "بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا" (الْكَهْفِ -50) "سَاءَ مَثَلًا" (الْأَعْرَافِ -177) .
{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} أَيْ: مَا الَّذِي عَلَيْهِمْ وَأَيُّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ؟ {لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا}
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [أَدْخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَدَهُ فِي التُّرَابِ ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا وَقَالَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ذَرَّةٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ. لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا] (2) . وَنَظْمُهُ: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ أَيْ: لَا يَبْخَسُ وَلَا يُنْقِصُ أَحَدًا مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَزْنَ ذَرَّةٍ،
__________
(1) انظر: الدر المنثور: 2 / 539.
(2) ساقط من: (ب) .

الصفحة 214