كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)

{فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ} وَفِي مَوْضِعٍ لَا يَتَسَاءَلُونَ، وَفِي مَوْطِنٍ يَسْأَلُونَ الرَّجْعَةَ، وَآخِرُ (1) تِلْكَ الْمَوَاطِنِ أَنْ يُخْتَمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتَتَكَلَّمَ جُوَارِحُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} 86/أ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ مِنَ السُّكْرِ: السُّكْرُ مِنَ الْخَمْرِ، عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَاهُمْ بِخَمْرٍ فَشَرِبُوهَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَسَكِرُوا فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَقَدَّمُوا رَجُلًا لِيُصَلِّيَ بِهِمْ فَقَرَأَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، بِحَذْفِ {لَا} هَكَذَا إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَكَانُوا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ يَجْتَنِبُونَ السُّكْرَ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ حَتَّى نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ (2) .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: أَرَادَ بِهِ سُكْرَ النَّوْمِ، نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ غَلَبَةِ النَّوْمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ أَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبَدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ يَنْعَسُ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسِبَ نَفْسَهُ" (3) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا} نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، يَعْنِي: وَلَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ جُنُبٌ، يُقَالُ: رَجُلٌ جُنُبٌ وَامْرَأَةٌ جُنُبٌ، وَرِجَالٌ جُنُبٌ وَنِسَاءٌ جُنُبٌ.
__________
(1) في ب (وأخس) .
(2) أخرجه أبو داود في الأشربة، باب في تحريم الخمر: 5 / 259، والترمذي في التفسير، في تفسير سورة النساء: 8 / 380، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. وعزاه في تحفة الأحوذي للنسائي. وقال: المنذري: وفي إسناده عطاء بن السائب، ولا يعرف إلا من حديثه. وقال ابن معين: لا يحتج بحديثه، وفرق مرة بين حديثه القديم وحديثه الحديث، ووافقه على التفرقة الإمام أحمد، انظر: مختصر السنن للمنذري: 5 / 259. وعزاه ابن حجر في الكافي الشاف ص (44) لأحمد وعبد بن حميد والبزار والحاكم والطبري بنحوه. وانظر: تفسير الطبري: 8 / 376.
(3) أخرجه البخاري في الوضوء، باب الوضوء من النوم: 1 / 313، ومسلم في صلاة المسافرين، باب أمر من نعس في صلاته. . . برقم (786) : 1 / 543. والمصنف في شرح السنة: 4 / 57.

الصفحة 219