كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)

وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ يَجِبُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا بِنُزُولِ الْمَنِيِّ أَوْ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَهُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرَجِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَكَانَ الْحُكْمُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ مَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَأَكْسَلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ، أَوْ مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ" (1) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} جَمْعُ مَرِيضٍ، وَأَرَادَ بِهِ مَرِيضًا يَضُرُّهُ إِمْسَاسُ (2) الْمَاءِ مِثْلَ الْجُدَرِيِّ وَنَحْوَهُ، أَوْ كَانَ عَلَى مَوْضِعِ طَهَارَتِهِ جِرَاحَةٌ يَخَافُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهَا التَّلَفَ أَوْ زِيَادَةَ الْوَجَعِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ صَحِيحًا وَالْبَعْضُ جَرِيحًا غَسَلَ الصَّحِيحَ مِنْهَا وَتَيَمَّمَ لِلْجَرِيحِ، لِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاشَانِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو اللُّؤْلُؤِيُّ، أَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ، أَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْطَاكِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خُرَيقٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، فَاحْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ قَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتِ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: "قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَّا سَأَلُوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ -شك الراوي - 86/ب عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ" (3) .
وَلَمْ يُجَوِّزْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الْجَمْعَ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ، وَقَالُوا: إِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَائِهِ صَحِيحًا غُسِلَ
__________
(1) أخرجه الشافعي في المسند: 1 / 38 (ترتيب مسند الإمام) ، وأخرجه في الأم: 1 / 31، وأحمد في المسند: 6 / 97 عن عائشة، ومالك في الموطأ، كتاب الطهارة، باب واجب الغسل إذا التقى الختانان، موقوفا على عائشة: 1 / 46. وأصل الحديث مطولا عند مسلم في الحيض، باب نسخ (الماء من الماء) . . . برقم (349) : 1 / 271 - 272، وأخرجه المصنف في شرح السنة: 2 / 5. وانظر: نصب الراية: 1 / 84 - 85، تلخيص الحبير: 1 / 134 - 135.
(2) في ب: (امتساس) .
(3) أخرجه أبو داود في الطهارة، باب في المجدور يتيمم: 1 / 208 عن جابر، وفيه الزبير بن خريق - مصغرا - مولى عائشة: لين الحديث، من الخامسة (تقريب) ، وأخرجه ابن ماجه في التيمم، باب المجروح تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه، برقم (572) : 1 / 189 عن ابن عباس بنحوه. قال في الزوائد: إسناده منقطع. والدارمي عن ابن عباس، في الطهارة، باب المجروح تصيبه الجنابة: 1 / 192، وصححه الحاكم: 1 / 178 عن ابن عباس، والمصنف في شرح السنة: 2 / 120.

الصفحة 221