كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)
بِشَهْوَةٍ فَلَا يَنْتَقِضُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِاللَّمْسِ بِحَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَنْتَقِضُ إِلَّا أَنْ يَحْدُثَ الِانْتِشَارُ (1) .
وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْوُضُوءَ بِاللَّمْسِ بِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضِرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رَجِلِي وَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ وَالْبُيُوتُ يَوْمئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ (2) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَيْمِيِّ، أَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كُنْتُ نَائِمَةً إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَقَدْتُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَسْتُهُ بِيَدِي فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ يَقُولُ: "أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكِ وَبِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ" (3) .
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا لَوْ لَمَسَ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ أَوْ لَمَسَ أَجْنَبِيَّةً صَغِيرَةً، أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلِّ الشَّهْوَةِ كَمَا لَوْ لَمَسَ رَجُلًا.
وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي انْتِقَاضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ عَلَى قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: يَنْتَقِضُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِالْتِذَاذِ كَمَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا بِالْجِمَاعِ، وَالثَّانِي: لَا يَنْتَقِضُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَيْثُ قَالَتْ: فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ.
وَلَوْ لَمَسَ شَعْرَ امْرَأَةٍ أَوْ سِنَّهَا أَوْ ظُفْرَهَا لم ينتقض وضوؤه عِنْدَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا تَصِحُّ صِلَاتُهُ مَا لَمْ يَتَوَضَّأْ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَوْ يَتَيَمَّمْ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ. أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادَيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
__________
(1) قال الحنفية ينتقض الوضوء بالملامسة الفاحشة كأن يكونا متجردين ويحدث الانتشار، لا بمجرد الانتشار. انظر: حاشية ابن عابدين: 1 / 146، الفتاوى الهندية: 1 / 13.
(2) أخرجه البخاري في الصلاة، باب التطوع خلف المرأة: 1 / 588، ومسلم في الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي برقم (512) : 1 / 367، والمصنف في شرح السنة: 2 / 457.
(3) أخرجه مسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (486) : 1 / 352.
الصفحة 223