كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)
مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} أَيْ لَا يُنْقَصُ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ وَلَا يُزَادُ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ.
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) }
قَوْلُهُ تَعَالَى {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} قَالَ قَتَادَةُ ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ مُلْكَ فَارِسَ وَالرُّومِ فِي أُمَّتِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَعَدَ أُمَّتَهُ مُلْكَ فَارِسَ وَالرُّومِ قَالَ الْمُنَافِقُونَ وَالْيَهُودُ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ مِنْ أَيْنَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلْكُ فَارِسَ وَالرُّومِ؟ وَهُمْ أَعَزُّ وَأَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَلَمْ يَكْفِ مُحَمَّدًا مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ حَتَّى طَمِعَ فِي مُلْكِ فَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ {قُلِ اللَّهُمَّ} (1) قِيلَ: مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ فَلَمَّا حُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ زِيدَ الْمِيمُ فِي آخِرِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لِلْمِيمِ فِيهِ مَعْنًى، وَمَعْنَاهَا يَا أَللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ أَيِ: اقْصِدْنَا، حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ كَقَوْلِهِمْ: هَلُمَّ إِلَيْنَا، كَانَ أَصْلُهُ هَلْ أُمَّ إِلَيْنَا، ثُمَّ كَثُرَتْ فِي الْكَلَامِ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ اسْتِخْفَافًا وَرُبَّمَا خَفَّفُوا أيضا فقالوا: لا هُمَّ، قَوْلُهُ {مَالِكَ الْمُلْكِ} [يَعْنِي يَا مَالِكَ الْمُلْكِ] (2) أَيْ مَالِكَ الْعِبَادِ وَمَا مَلَكُوا، وَقِيلَ يا مالك السموات وَالْأَرْضِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: "أَنَا اللَّهُ مَلِكُ الْمُلُوكِ، وَمَالِكُ الْمُلُوكِ وَقُلُوبُ الْمُلُوكِ وَنَوَاصِيهِمْ بِيَدِي فَإِنِ الْعِبَادُ أَطَاعُونِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِمْ رَحْمَةً وَإِنْ عَصَوْنِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً فَلَا تَشْتَغِلُوا بِسَبِّ الْمُلُوكِ وَلَكِنْ تُوبُوا إِلَيَّ أَعْطِفْهُمْ عَلَيْكُمْ " (3) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي مُلْكَ النُّبُوَّةِ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} أَبِي جَهْلٍ وَصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَقِيلَ: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ: الْعَرَبَ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ: فَارِسَ وَالرُّومَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، آتَى اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَأَمَرَ الْعِبَادَ بِطَاعَتِهِمْ {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} نَزَعَهُ مِنَ الْجَبَّارِينَ وَأَمَرَ الْعِبَادَ بِخِلَافِهِمْ، وَقِيلَ تُؤْتِي مَنْ تَشَاءُ: آدَمَ وَوَلَدَهُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ إِبْلِيسَ وَجُنُودَهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} قَالَ عَطَاءٌ تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ: الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ: فَارِسَ وَالرُّومَ، وَقِيلَ تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ فِي عَشْرَةِ آلَافٍ ظَاهِرِينَ عَلَيْهَا، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ: أَبَا جَهْلٍ وَأَصْحَابَهُ حتى حُزَّت رؤوسهم وَأُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ، وَقِيلَ تُعِزُّ مَنْ
__________
(1) قال ابن حجر في الكافي الشاف ص (25) ذكره الواحدي في أسبابه ص (131) عن ابن عباس وأنس رضي الله عنهم ولم أجد له إسنادا.
(2) ساقط من (أ) .
(3) رواه الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي فيه إبراهيم بن راشد وهو متروك مجمع الزوائد: 5 / 249 وقال الألباني: ضعيف جدا سلسلة الأحاديث الضعيفة: 1 / 68.
الصفحة 23