كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)

{ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72) }
{ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} أَيْ: بِثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: بِمَنْ (1) أَطَاعَ رَسُولَ اللَّهِ وَأَحَبَّهُ، وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوا تِلْكَ الدَّرَجَةَ بِطَاعَتِهِمْ، وَإِنَّمَا نَالُوهَا بِفَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، أَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَنْجُو أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ"، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ" (2) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} مِنْ عَدُوِّكُمْ، أَيْ: عِدَّتِكُمْ وَآلَتِكُمْ مِنَ السِّلَاحِ، وَالْحِذْرُ وَالْحَذَرُ وَاحِدٌ، كَالْمِثْلِ وَالْمَثَلِ وَالشِّبْهِ وَالشَّبَهِ، {فَانْفِرُوا} اخْرُجُوا {ثُبَاتٍ} أَيْ: سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ سَرِيَّةً بَعْدَ سَرِيَّةٍ، وَالثُّبَاتُ جَمَاعَاتٌ فِي تَفْرِقَةٍ وَاحِدَتُهَا ثُبَةٌ، {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} أَيْ: مُجْتَمِعِينَ كُلُّكُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} نَزَلَتْ في المنافقين (3) 90/ب
وَإِنَّمَا قَالَ {مِنْكُمْ} لِاجْتِمَاعِهِمْ مَعَ أَهْلِ الْإِيمَانِ فِي الْجِنْسِيَّةِ وَالنَّسَبِ وَإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ، لَا فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ، {لَيُبَطِّئَنَّ} أَيْ: لَيَتَأَخَّرَنَّ، وَلَيَتَثَاقَلَنَّ عَنِ الْجِهَادِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ الْمُنَافِقُ، وَاللَّامُ فِي {لَيُبَطِّئَنَّ} لَامُ الْقَسَمِ، وَالتَّبْطِئَةُ: التَّأَخُّرُ عَنِ الْأَمْرِ، يُقَالُ: مَا أَبْطَأَ بِكَ؟ أَيْ: مَا أَخَّرَكَ عَنَّا؟ وَيُقَالُ: أَبْطَأَ إِبْطَاءً وَبَطَّأَ يُبَطِّئُ تَبْطِئَةً. {فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} أَيْ: قَتْلٌ وَهَزِيمَةٌ، {قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ} بِالْقُعُودِ، {إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا} أَيْ: حَاضِرًا فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ فَيُصِيبُنِي مَا أَصَابَهُمْ.
__________
(1) في ب: (لمن) .
(2) قطعة من حديث أخرجه البخاري في الإيمان، باب الدين يسر: 1 / 93 وفي مواضع أخرى، ومسلم في المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله برقم (1816) : 4 / 2170، وفي البر والصلة، والمصنف في شرح السنة 14 / 390.
(3) قال مجاهد. انظر: ابن كثير: 1 / 525.

الصفحة 248