كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)

فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الْقَانِتِ الصَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِهِ بِمَا يُرْجِعُهُ مِنْ غَنِيمَةٍ وَأَجْرٍ، أَوْ يَتَوَفَّاهُ فَيَدْخُلُهُ الْجَنَّةَ" (1) .
__________
(1) أخرجه البخاري في الجهاد - باب أفضل الناس مؤمن مجاهد: 6 / 6، ومسلم في الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى، برقم (1878) : 1498، والمصنف في شرح السنة: 10 / 348 - 349.
{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ} لَا تُجَاهِدُونَ {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فِي طَاعَةِ اللَّهِ، يُعَاتِبُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ، {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} أَيْ: عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فِي سَبِيلِ الْمُسْتَضْعَفِينَ لِتَخْلِيصِهِمْ، وَقِيلَ: فِي تَخْلِيصِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ جَمَاعَةٌ، {مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} يَلْقَوْنَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَذًى كَثِيرًا، {الَّذِينَ} يَدْعُونَ وَ {يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} يَعْنِي: مَكَّةَ، الظَّالِمُ أَيِ: الْمُشْرِكُ، أَهْلُهَا يَعْنِي الْقَرْيَةَ الَّتِي مِنْ صِفَتِهَا أَنَّ أَهْلَهَا مُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا خَفَضَ (1) {الظَّالِمَ} لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْأَهْلِ، فَلِمَا عَادَ الْأَهْلُ إِلَى الْقَرْيَةِ صَارَ كَأَنَّ الْفِعْلَ لَهَا، كَمَا يُقَالُ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حُسْنِهِ عَيْنُهُ، {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} أَيْ: مَنْ يَلِي أَمْرَنَا، {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} أَيْ: مَنْ يَمْنَعُ الْعَدُوَّ عَنَّا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَلَّى عَلَيْهِمْ عِتَابُ بْنُ أُسَيْدٍ وَجَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ نَصِيرًا يُنْصِفُ الْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أَيْ: فِي طَاعَتِهِ، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} أَيْ: فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ، {فَقَاتِلُوا} أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ {أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} أَيْ: حِزْبَهُ وَجُنُودَهُ وَهُمُ الْكُفَّارُ، {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ} مَكْرَهُ، {كَانَ ضَعِيفًا} كَمَا فَعَلَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمَّا رَأَى الْمَلَائِكَةَ خَافَ أَنْ يَأْخُذُوهُ فَهَرَبَ وَخَذَلَهُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} الْآيَةَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأُسُودِ الْكِنْدِيِّ، وَقُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيِّ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ،
__________
(1) في أ: (خص) .

الصفحة 250