كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)

غَوْرَثَ بْنَ الْحَارِثِ بِمَا شِئْتَ، ثُمَّ أَهْوَى بِالسَّيْفِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَضْرِبَهُ فَأَكَبَّ لِوَجْهِهِ مِنْ زَلْخَةٍ زُلِخَهَا مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، وَنَدَرَ سَيْفَهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا غَوْرَثُ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي الْآنَ؟ قَالَ: لَا أَحَدَ، قَالَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وأعطيكَ سيفكَ؟ 95/ب قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَشْهَدُ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ أَبَدًا وَلَا أُعِينُ عَلَيْكَ عَدُوًّا، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ، فَقَالَ غَوْرَثُ: وَاللَّهِ لَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ أَنَا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ، فَرَجَعَ غَوْرَثٌ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: وَيْلَكَ مَا مَنَعَكَ مِنْهُ؟ قَالَ: لَقَدْ أَهْوَيْتُ إِلَيْهِ بِالسَّيْفِ لِأَضْرِبَهُ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَنْ زَلَخَنِي بَيْنَ كَتِفِي فَخَرَرْتُ لِوَجْهِي، وَذَكَرَ حَالَهُ قَالَ: وَسَكَنَ الْوَادِي فَقَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَادِيَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ: (1) {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} أَيْ: مِنْ عَدُوِّكُمْ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ جَرِيحًا.
{إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} يُهانُونَ فِيهِ، وَالْجُنَاحُ: الْإِثْمُ، مِنْ جَنَحَتْ: إِذَا عَدَلَتْ عَنِ الْقَصْدِ.
{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) }
{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ} يَعْنِي: صَلَاةَ الْخَوْفِ، أَيْ: فَرَغْتُمْ مِنْهَا، {فَاذْكُرُوا اللَّهَ} أَيْ صَلُّوا لِلَّهِ {قِيَامًا} فِي حَالِ الصِّحَّةِ، {وَقُعُودًا} فِي حَالِ الْمَرَضِ، {وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} عِنْدَ الْحَرَجِ وَالزَّمَانَةِ، وَقِيلَ: اذْكُرُوا اللَّهَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ، عَلَى كُلِّ حَالٍ.
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْكَاشَانِيُّ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ، أَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ" (2) .
{فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} أَيْ: سَكَنْتُمْ وَأَمِنْتُمْ، {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أَيْ: أَتِمُّوهَا أَرْبَعًا بِأَرْكَانِهَا، {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} قِيلَ: وَاجِبًا مَفْرُوضًا مُقَدَّرًا فِي الْحَضَرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَفِي السَّفَرِ
__________
(1) أخبره ابن كثير مختصرا في التفسير، وقال أخرجه الإمام أحمد عن جابر، وقال: تفرد به من هذا الوجه: 1 / 549 - 550. وانظر: البداية والنهاية: 4 / 84.
(2) أخرجه البخاري في الأذان، باب هل يتبع المؤذن فاه ها هنا وهنا، عن عائشة، تعليقا: 2 / 114. وفي الحيض، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت: 1 / 407 عن ابن عباس بلفظ "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الله في كل أحيانه". ومسلم في الحيض، باب ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها، برقم (373) : 1 / 282.

الصفحة 281