كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)

يَعْنِي بِإِعْطَاءِ حُقُوقِ الصِّغَارِ، {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} أَيْ: وَيُفْتِيكُمْ فِي أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ بِالْعَدْلِ فِي مُهُورِهِنَّ وَمَوَارِيثِهِنَّ، {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} يُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ.
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَمْرَةَ وَيُقَالُ فِي خَوْلَةَ (1) بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمَةَ، وَفِي زَوْجِهَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ -وَيُقَالُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ-تَزَوَّجَهَا وَهِيَ شَابَّةٌ فَلَمَّا عَلَاهَا الْكِبَرُ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا امْرَأَةً شَابَّةً، وَآثَرَهَا عَلَيْهَا، وَجَفَا ابْنَةَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَتْ إِلَيْهِ فَنَزَلَتْ فِيهَا هَذِهِ الْآيَةُ (2) .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ قَدْ كَبِرَتْ وَلَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا غَيْرَهَا، فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَدَعْنِي أَقُومُ عَلَى أَوْلَادِي وَاقْسِمْ لِي مِنْ كُلِّ شَهْرَيْنِ إِنْ شِئْتَ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَقْسِمْ لِي. فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَصْلُحُ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَبُّ إليّ، فأتى 97/ب رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} (3) أَيْ عَلِمَتْ {مِنْ بَعْلِهَا} أَيْ: مِنْ زَوْجِهَا {نُشُوزًا} أَيْ: بُغْضًا، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي تَرْكَ مُضَاجَعَتِهَا، {أَوْ إِعْرَاضًا} بِوَجْهِهِ عَنْهَا وَقِلَّةِ مُجَالَسَتِهَا، {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} أَيْ: عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ، أَنْ يَصَّالَحَا أَيْ: يَتَصَالَحَا، وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ {أَنْ يُصْلِحَا} مِنْ أَصْلَحَ، {بَيْنَهُمَا صُلْحًا} يَعْنِي: فِي الْقِسْمَةِ وَالنَّفَقَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ دَخَلْتِ فِي السِّنِّ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً شَابَّةً جَمِيلَةً أَوِثْرُهَا عَلَيْكِ فِي الْقِسْمَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَإِنْ رَضِيتِ بِهَذَا فَأَقِيمِي وَإِنْ كَرِهْتِ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، فَإِنْ رَضِيَتْ كَانَتْ هِيَ الْمُحْسِنَةَ وَلَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِدُونِ حَقِّهَا مِنَ الْقَسْمِ كَانَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ أَوْ يُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانٍ، فَإِنْ أَمْسَكَهَا وَوَفَّاهَا حَقَّهَا مَعَ كَرَاهِيَةٍ فَهُوَ مُحْسِنٌ.
__________
(1) في أ: (خويلة) .
(2) انظر: الموطأ للإمام مالك، كتاب النكاح، باب جامع النكاح: 2 / 548 - 549، والمستدرك للحاكم: 2 / 308، أحكام القرآن للشافعي: 1 / 205، والسنن الكبرى للبيهقي: 7 / 296، تفسير الطبري: 9 / 275، أسباب النزول للواحدي ص (178) .
(3) بمعناه عن عائشة رضي الله عنها، أخرجه البخاري ومسلم. انظر: أسباب النزول للواحدي ص (175 - 176) ، الدر المنثور: 2 / 710 - 711.

الصفحة 294