كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)

الشَّهَادَةِ أَوْ تُعْرِضُوا فَتَتْرُكُوا أَدَاءَهَا {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} الْآيَةَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَسَدٍ وَأُسِيدِ ابْنَيْ كَعْبٍ، وَثَعْلَبَةَ بْنِ قَيْسٍ وَسَلَامِ بْنِ أُخْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ أَخِيهِ وَيَامِينَ بْنِ يَامِينَ فَهَؤُلَاءِ مُؤْمِنُوا أَهْلِ الْكِتَابِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّا نُؤْمِنُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ وَعُزَيْرٍ وَنَكْفُرُ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَلْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقُرْآنِ وَبِمُوسَى والتوارةِ، وَبِكُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (1) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ وَبِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالتَّوْرَاةِ {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَلَ عَلَى رَسُولِهِ} يَعْنِي الْقُرْآنَ، {وَالْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ} مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ (2) .
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو " نُزِّلَ وَأُنْزِلَ " بِضَمِّ النُّونِ وَالْأَلِفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ " نَزَلَ وَأَنْزَلَ " بِالْفَتْحِ أَيْ أَنْزَلَ اللَّهُ.
{وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا: فَإِنَّا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْقُرْآنِ وَبِكُلِّ رَسُولٍ وَكِتَابٍ كَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَالْمَلَائِكَةِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَرَادَ بِهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بِمُوسَى وَعِيسَى {آمِنُوا} بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللِّسَانِ آمِنُوا بِالْقَلْبِ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَجَمَاعَةٌ: هَذَا خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} أَيْ أَقِيمُوا وَاثْبُتُوا عَلَى الْإِيمَانِ، كَمَا يُقَالُ لِلْقَائِمِ: قُمْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ، أَيِ اثْبُتْ قَائِمًا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ أَهْلَ الشِّرْكِ، يَعْنِي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى {آمِنُوا} بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.
__________
(1) ذكره السيوطي في الدر المنثور: 2 / 716، وانظر: أسباب النزول للواحدي ص (178 - 179) .
(2) في هامش نسخة الظاهرية (أ) ما يلي: ويجوز أن يراد بقوله "يا أيها الذين آمنوا" في وقت الميثاق، حين قالوا: بلى، "آمنوا" الآن "بالله ورسوله" الآية.

الصفحة 299