كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 2)
فَيَكُونُ مِنْ سَدَنَتِهِ وَخَدَمَتِهِ، فَحَمَلَتْ بِمَرْيَمَ فَحَرَّرَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، وَلَمْ تَعْلَمْ مَا هُوَ فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا: وَيْحَكِ مَا صَنَعْتِ، أَرَأَيْتِ إِنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِكِ أُنْثَى لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ؟ فَوَقَعَا جَمِيعًا فِي هَمٍّ مِنْ ذَلِكَ فَهَلَكَ عِمْرَانُ وَحَنَّةُ حَامِلٌ بِمَرْيَمَ
{فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) }
{فَلَمَّا وَضَعَتْهَا} أَيْ وَلَدَتْهَا إِذَا هِيَ جَارِيَةٌ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ "وَضَعَتْهَا" رَاجِعَةٌ إِلَى النَّذِيرِ لَا إِلَى مَا وُلِدَ لِذَلِكَ أُنِّثَ {قَالَتْ} حَنَّةُ وَكَانَتْ تَرْجُو أَنْ يَكُونَ غُلَامًا {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} اعْتِذَارًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} بِجَزْمِ التَّاءِ إِخْبَارًا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ وَضَعْتُ بِرَفْعِ التَّاءِ جَعَلُوهَا مِنْ كَلَامِ أَمِّ مَرْيَمَ {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} فِي خِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ وَالْعِبَادِ الَّذِينَ فِيهَا لِعَوْرَتِهَا وَضَعْفِهَا وَمَا يَعْتَرِيهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} وَمَرْيَمُ بِلُغَتِهِمُ الْعَابِدَةُ وَالْخَادِمَةُ، وَكَانَتْ مَرْيَمُ أَجْمَلَ النِّسَاءِ فِي وَقْتِهَا وَأَفْضَلَهُنَّ {وَإِنِّي أُعِيذُهَا} أَمْنَعُهَا وَأُجِيرُهَا {بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا} أَوْلَادَهَا {مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} فَالشَّيْطَانُ الطَّرِيدُ اللَّعِينُ، وَالرَّجِيمُ الْمَرْمِيُّ بِالشُّهُبِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ الصَّبِيُّ صَارِخًا مِنَ الشَّيْطَانِ غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا" ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" (1) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعَنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ بِأُصْبُعِهِ حِينَ يُولَدُ غَيْرَ عِيسَى بن مَرْيَمَ ذَهَبَ يَطْعَنُ فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ" (2) .
__________
(1) أخرجه البخاري في التفسير تفسير سورة آل عمران - باب: وإني أعيذها. . . 8 / 212. وأخرجه مسلم في الفضائل. باب فضائل عيسى برقم (2366) د / 1838. والمصنف في شرح السنة: 14 / 406.
(2) أخرجه الإمام أحمد في المسند عن أبي هريرة 2 / 523. والطبري في التفسير: 6 / 342. وذكره ابن كثير في البداية والنهاية عن الإمام أحمد 2 / 57 وقال: وهذا على شرط الصحيحين ولم يخرجوه من هذا الوجه. وانظر تعليق الشيخ محمود شاكر على تفسير الطبري 6 / 342.
الصفحة 30