كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 3)

وَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ" (1) .
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} يَعْنِي: الذَّبَائِحَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} يُرِيدُ ذَبَائِحَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَالٌ لَكُمْ، فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ بَعْدَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَلَوْ ذَبَحَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ عَلَى اسْمِ غَيْرِ اللَّهِ كَالنَّصْرَانِيِّ يَذْبَحُ بِاسْمِ الْمَسِيحِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ عُمَرُ (2) لَا يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ، سُئِلَ الشَّعْبِيُّ وَمَكْحُولٌ عَنِ النَّصْرَانِيِّ يَذْبَحُ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، قَالَا يَحِلُّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّ ذَبَائِحَهُمْ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُونَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا ذَبَحَ الْيَهُودِيُّ أَوِ النَّصْرَانِيُّ فَذَكَرَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ وَأَنْتَ تَسْمَعُ فَلَا تَأْكُلْهُ فَإِذَا غَابَ عَنْكَ فَكُلْ فَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ شَرَعَ لَهُمْ حِلُّ طَعَامِنَا وَهُمْ كُفَّارٌ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ؟ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ حَلَالٌ لَكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ فَيَكُونُ خِطَابُ الْحِلِّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ ذَكَرَ عُقَيْبَهُ حُكْمَ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حِلَّ الْمُسْلِمَاتِ لَهُمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَلَالٌ لَكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} هَذَا رَاجَعٌ إِلَى الْأَوَّلِ مُنْقَطِعٌ عَنْ قَوْلِهِ: "وَطَعَامُكُمْ حَلٌّ لَهُمْ".
__________
(1) أخرجه البخاري في الأضاحي، باب من ذبح بيده: 10 / 18، وفي أبوب أخرى. ومسلم في الأضاحي، باب استحباب الضحية، برقم (1966) : 3 / 1556-1557، والمصنف في شرح السنة: 4 / 334.
(2) في "ب": (ابن عمر) .

الصفحة 18