كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 3)

احْتَزَزْتُ رَأْسَهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَأْسُ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ: آللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ (1) ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، ثُمَّ أَلْقَيْتُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ] (2) .
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ حِينَ خَرَجُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ أَخَذُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَقَالُوا: اللَّهُمَّ انْصُرْ أَعْلَى الْجُنْدَيْنِ وَأَهْدَى الْفِئَتَيْنِ وَأَكْرَمَ الْحِزْبَيْنِ وَأَفْضَلَ الدِّينَيْنِ فَفِيهِ نَزَلَتْ: "إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ" أَيْ: إِنْ تَسْتَنْصِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ النَّصْرُ (3) .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ وَاللَّهِ لَا نَعْرِفُ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ فَافْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالْحَقِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ" (4) أَيْ: إِنْ تَسْتَقْضُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْقَضَاءُ (5) .
وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: هَذَا خِطَابٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ: "إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ" أَيْ: إِنْ تَسْتَنْصِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَالنَّصْرُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ خَبَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلْنَا: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا، أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ فَجَلَسَ مُحْمَارًّا لَوْنُهُ أَوْ وَجْهُهُ فَقَالَ لَنَا: قَدْ كَانَ مِنْ قَبْلِكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ، وَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُجْعَلُ فَوْقَ رَأْسِهِ ثُمَّ يُجْعَلُ بِفِرْقَتَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ وَعَصَبٍ، وَمَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْكُمْ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخْشَى إِلَّا اللَّهَ، وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ" (6) .
__________
(1) قال السهيلي أيضا: 2 / 72: "قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الله الذي لا إله إلا هو" بالخفض - عند سيبويه وغيره- لأن الاستفهام عوض من الخافض عنده، وإذا كنت مخبرا قلت: "الله" بالنصب، لا يجيز المبرِّد غيره، وأجاز سيبويه الخفض أيضا، لأنه قَسَم، وقد عرف أن المقسم به مخفوض الباء أو الواو، ولا يجوز إضمار حرف الجر إلا في مثل هذا الموضع أو ما كثر استعماله جدا، كما روى أن رؤبَةَ كان يقول إذا قيل له: كيف أصبحت؟ خير عافاك الله".
(2) انظر: سيرة ابن هشام: 2 / 71 - 72 مع الروض الأنف للسهيلي 1 / 634 - 636 (طبع الحلبي) ، وقد جاءت هذه الرواية في نسخة "ب" بعد قول السدي والكلبي الذي يليها مباشرة، وهو ما وضعناه بين القوسين.
(3) تفسير الطبري: 13 / 453، أسباب النزول للواحدي ص (269) .
(4) أسباب النزول للواحدي ص (269) .
(5) تفسير الطبري: 13 / 451، الدر المنثور: 4 / 42.
(6) أخرجه البخاري بلفظ قريب، في المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام: 6 / 619، وفي مناقب الأنصار: 7 / 164 - 165 وذكره المصنف في مصابيح السنة: 4 / 74.

الصفحة 342