كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 3)

بَعْدَ ظُهُورِهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يقولون للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحيي لَنَا قُصَيًّا فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا مُبَارَكًا حَتَّى يَشْهَدَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ فَنُؤْمِنَ بِكَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ" كَلَامَ قُصَيٍّ "لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ".
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} يَقُولُ أَجِيبُوهُمَا بِالطَّاعَةِ، {إِذَا دَعَاكُمْ} الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {لِمَا يُحْيِيكُمْ} أَيْ: إِلَى مَا يُحْيِيكُمْ. قَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الْإِيمَانُ، لِأَنَّ الْكَافِرَ مَيِّتٌ فَيَحْيَا بِالْإِيمَانِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْقُرْآنُ فِيهِ الْحَيَاةُ وَبِهِ النَّجَاةُ وَالْعِصْمَةُ فِي الدَّارَيْنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْحَقُّ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ الْجِهَادُ أَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الذُّلِّ.
وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: بَلِ الشَّهَادَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشُّهَدَاءِ: "بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" (آلِ عِمْرَانَ 0 169) .
وَرَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَدَعَاهُ فَعَجِلَ أُبَيُّ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ؟ [فَقَالَ: لَا جَرَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَدْعُونِي إِلَّا أَجَبْتُ وَإِنْ كُنْتُ مُصَلِّيًا" (1) ] (2) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَفْرِ، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ.
__________
(1) أخرجه الطبري في التفسير: 13 / 467 بهذا اللفظ، وأخرجه بنحوه الترمذي في فضائل القرآن - باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب: 8 / 178 - 180 وقال: هذا حديث حسن صحيح. والإمام أحمد في المسند: 2 / 412 - 413، وأخرجه البخاري بغير هذا السياق في التفسير 8 / 156، وفي فضائل القرآن. وقال المنذري: رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم باختصار عن أبي هريرة عن أُبي، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. انظر: الكافي الشاف ص (68 - 69) تحفة الأحوذي: 8 / 180.
(2) ما بين القوسين من نسخة "ب".

الصفحة 344