كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 3)

الْخُمُسَ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ" (1) .
وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بَعْدَ إِفْرَازِ الْخُمُسِ كَسِهَامِ الْغُزَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ النَّفْلَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْخُمُسِ كَالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ. وَأَمَّا الْفَيْءُ: وَهُوَ مَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، بِأَنْ صَالَحَهُمْ عَلَى مَالٍ يُؤَدُّونَهُ، وَمَالُ الْجِزْيَةِ، وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِذَا دَخَلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ لِلتِّجَارَةِ، أَوْ يَمُوتُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا وَارِثَ لَهُ، فَهَذَا كُلُّهُ فَيْءٌ.
وَمَالُ الْفَيْءِ كَانَ خَالِصًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ (2) ثُمَّ قَرَأَ: "وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ"
إِلَى قَوْلِهِ: "قَدِيرٌ" "الْحَشْرِ -6"، وَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَصْرِفِ الْفَيْءِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ لِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا، لِلْمُقَاتِلَةِ الَّذِينَ أُثْبِتَتْ أَسَامِيهِمْ فِي دِيوَانِ الْجِهَادِ، لِأَنَّهُمُ الْقَائِمُونَ مَقَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِرْهَابِ الْعَدُوِّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَبْدَأُ بِالْمُقَاتِلَةِ فَيُعْطَوْنَ مِنْهُ كِفَايَتَهُمْ، ثُمَّ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنَ الْمَصَالِحِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَخْمِيسِ الْفَيْءِ: فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُخَمَّسُ خُمُسُهُ لِأَهْلِ الْغَنِيمَةِ، عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ. وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْمُقَاتِلَةِ وَلِلْمَصَالِحِ.
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ: إِلَى أَنَّ الْفَيْءَ لَا يُخَمَّسُ، بَلْ مَصْرِفُ جميعه واحد، 149/أوَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ حَقٌّ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبْرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ
__________
(1) أخرجه أبو داود في الجهاد، باب الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه بلفظ أخر: 4 / 62، والنسائي في الفيء: 7 / 131 - 132، والإمام أحمد في المسند: 4 / 128، 5 / 316، وعزاه في الدر المنثور: 4 / 67 لابن أبي حاتم.
(2) جاء ذلك في روايات صحيحة كثيرة مطولة - ساقها السيوطي في الدر المنثور: 8 / 101 - 103.

الصفحة 361