كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفَتُ أَنَّهُ الْحَقُّ (1) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمَهْدِيِّ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا: فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ" (2) .
{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) } .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} نَقَضُوا عُهُودَهُمْ، {مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} عَقْدِهِمْ، يَعْنِي: مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، {وَطَعَنُوا} قَدَحُوا {فِي دِينِكُمْ} عَابُوهُ. فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا طَعَنَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا لَا يَبْقَى لَهُ عَهْدٌ، {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ: "أَئِمَّةَ" بِهَمْزَتَيْنِ حَيْثُ كَانَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَلْيِينِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ. وَأَئِمَّةُ الْكُفْرِ: رُؤُوسُ الْمُشْرِكِينَ وَقَادَتُهُمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، وَسَائِرِ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَهُمُ الَّذِينَ هَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ (3) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ أَهْلُ فَارِسَ وَالرُّومِ (4) .
وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: مَا قُوتِلَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَمْ يَأْتِ أَهْلُهَا بَعْدُ (5) {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} أَيْ: لَا عُهُودَ لَهُمْ، جَمْعُ يَمِينٍ. قَالَ قُطْرُبٌ: لَا وَفَاءَ لَهُمْ بِالْعَهْدِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: "لَا إِيمَانَ لَهُمْ" بِكَسْرِ الْأَلِفِ، أَيْ: لَا تَصْدِيقَ لَهُمْ وَلَا دِينَ لَهُمْ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْأَمَانِ، أَيْ لَا تُؤَمِّنُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، {لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} أَيْ: لِكَيْ يَنْتَهُوا عَنِ الطَّعْنِ فِي دِينِكُمْ وَالْمُظَاهَرَةِ عَلَيْكُمْ. وَقِيلَ: عَنِ الْكُفْرِ.
__________
(1) أخرجه البخاري في الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 13 / 250، ومسلم في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله.. برقم (20) : 1 / 51-52.
(2) أخرجه البخاري في الصلاة، باب فضل استقبال القبلة: 1 / 496.
(3) أخرجه الطبري في التفسير: 14 / 154، وبنحوه مطولا: البخاري: 8 / 322. وانظر: الدر المنثور: 4 / 136.
(4) في الدر المنثور: عن مجاهد قال أبو سفيان.
(5) انظر: الطبري: 14 / 155-156، فتح الباري: 8 / 323.

الصفحة 17