كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)
وَقِيلَ: مَا نَجَا مِنَ الْكُفَّارِ مِنَ الْغَرَقِ غَيْرَ عُوجِ بْنِ عُنُقٍ كَانَ الْمَاءُ إِلَى حُجْزَتِهُ، وَكَانَ سَبَبُ نَجَاتِهِ أَنَّ نُوحًا احْتَاجَ إِلَى خَشَبِ سَاجٍ لِلسَّفِينَةِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ نَقْلُهُ فَحَمَلَهُ عُوجٌ إِلَيْهِ مِنَ الشَّامِ، فَنَجَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْغَرَقِ لِذَلِكَ (1) .
{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) } .
__________
(1) قال العلامة ابن القيم، رحمه الله، وقد ذكر حديث عوج بن عنق مثالا على ما قامت الشواهد الصحيحة على بطلانه: " ... وليس العجب من جرأة مثل هذا الكذّاب على الله، إنما العجب ممن يُدْخل هذا الحديث في كتب العلم من التفسير وغيره، ولا يبيِّن أمره. وهذا عندهم من ذرية نوح، وقد قال الله تعالى: "وجعلنا ذريته هم الباقين" (الصافات 37) فأخبر أن كل من بقي على وجه الأرض فهو من ذرية نوح، فلو كان لعوج -هذا- وجود لم يبق بعد نوح. المنار المنيف في الصحيح والضعيف ص (77) ، وانظر: رسالة السيوطي بعنوان: الأوج في خبر عوج، ضمن الحاوي للفتاوى: 2 / 573-578، البداية والنهاية لابن كثير:" 1 / 114، الأسرار المرفوعة لملا علي القاري ص (425-427) مع تعليق المحقق.
{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) } .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} وَقَدْ وَعَدْتَنِي أَنْ تُنْجِيَنِي وَأَهْلِي؟ {وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} لَا خُلْفَ فِيهِ، {وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} حَكَمْتَ عَلَى قَوْمٍ بِالنَّجَاةِ وَعَلَى قَوْمٍ بِالْهَلَاكِ.
{قَالَ} اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ: "عَمِلَ" بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ "غَيْرَ" بِنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى الْفِعْلِ، أَيْ: عَمِلَ الشِّرْكَ وَالتَّكْذِيبَ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَرَفْعِ اللَّامِ وَتَنْوِينِهِ، "غَيْرُ" بِرَفْعِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ: أَنَّ سُؤَالَكَ إِيَّايَ أَنْ أُنْجِيَهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، {فَلَا تَسْأَلْنِ} يَا نُوحُ، {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} .
قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ "فَلَا تَسْأَلَنِّ" (1) بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَيَكْسِرُونَ النُّونَ غَيْرَ ابْنِ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ يَفْتَحُهَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِجَزْمِ اللَّامِ وَكَسْرِ النُّونِ خَفِيفَةً، وَيُثْبِتُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ وَيَعْقُوبُ الْيَاءَ فِي الْوَصْلِ.
{إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}
__________
(1) في "ب": (فلا تسألني) .
الصفحة 180