كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

{أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ} أَيْ: بِرَبِّهِمْ، [يُقَالُ: كَفَرْتُهُ وَكَفَرْتُ بِهِ، كَمَا] (1) يُقَالُ: شَكَرْتُهُ وَشَكَرْتُ لَهُ وَنَصَحْتُهُ وَنَصَحْتُ لَهُ. {أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} قِيلَ: بُعْدًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. وَقِيلَ: هَلَاكًا. وَلِلْبُعْدِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا ضِدُّ الْقُرْبِ، يُقَالُ مِنْهُ: بَعُدَ يَبْعُدُ بُعْدًا، [وَالْآخَرُ: بِمَعْنَى الْهَلَاكِ، يُقَالُ مِنْهُ: بَعِدَ يَبْعَدُ بَعْدًا وَبُعْدًا] (2) .
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) } .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} أي: أرسلناإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا فِي النَّسَبِ [لَا فِي الدِّينِ] (3) {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} وَحِّدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ (4) ، {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ، {مِنَ الْأَرْضِ} وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَآدَمُ خُلِقَ مِنَ الْأَرْضِ، {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} أَيْ: جَعَلَكُمْ عُمَّارَهَا وَسُكَّانَهَا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَطَالَ عُمْرَكُمْ فِيهَا حَتَّى كَانَ الْوَاحِدُ منهم يعيش ثلثمائة سَنَةٍ إِلَى أَلْفِ سنة. وكذلك 176/أقَوْمُ عَادٍ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: أَعْمَرَكُمْ مِنَ الْعُمْرَى، أَيْ: جَعَلَهَا لَكُمْ مَا عِشْتُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَسْكَنَكُمْ فِيهَا.
{فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ} مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، {مُجِيبٌ} لِدُعَائِهِمْ.
{قَالُوا} يَعْنِي ثَمُودَ، {يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا} الْقَوْلُ، [أَيْ: كُنَّا نَرْجُو] (5) أَنْ تَكُونَ سَيِّدًا فِينَا. وَقِيلَ: كُنَّا نَرْجُو أَنْ تَعُودَ إِلَى دِينِنَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْجُونَ رُجُوعَهُ إِلَى دِينِ عَشِيرَتِهِ، فَلَمَّا أَظْهَرَ دُعَاءَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَرَكَ الْأَصْنَامَ زَعَمُوا أَنَّ رَجَاءَهُمُ انْقَطَعَ عَنْهُ، فَقَالُوا {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [مِنْ قَبْلُ] (6) مِنَ الْآلِهَةِ، {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} مُوْقِعٌ لِلرِّيبَةِ وَالتُّهْمَةِ، يُقَالُ: أَرَبْتُهُ إِرَابَةً إِذَا فَعَلْتَ بِهِ فِعْلًا يُوجِبُ لَهُ الرِّيبَةَ.
__________
(1) ساقط من "ب".
(2) ساقط من "ب".
(3) ساقط من "ب".
(4) في "ب": (وحدوه) .
(5) ساقط من "ب".
(6) ساقط من "ب".

الصفحة 185