كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

وَقَالَ قَتَادَةُ: ضَحِكَتْ مِنْ غَفْلَةِ قَوْمِ لُوطٍ وَقُرْبِ الْعَذَابِ مِنْهُمْ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: ضَحِكَتْ مِنْ خَوْفِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ ثَلَاثَةٍ [فِي بَيْتِهِ] (1) وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ خَدَمِهِ وَحَشَمِهِ.
وَقَالَ: ضَحِكَتْ سُرُورًا بِالْبِشَارَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَوَهْبٌ: ضَحِكَتْ تَعَجُّبًا مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ عَلَى كِبَرِ سِنِّهَا وَسِنِّ زَوْجِهَا.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الْآيَةُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، تَقْدِيرُهُ: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، فَضَحِكَتْ، وَقَالَتْ: يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ؟.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ} أَيْ: مِنْ بَعْدِ إِسْحَاقَ، {يَعْقُوبَ} أَرَادَ بِهِ وَالِدَ الْوَلَدِ فَبُشِّرَتْ أَنَّهَا تعيش حتى 176/ب تَرَى وَلَدَ وَلَدِهَا قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ يَعْقُوبَ بِنَصْبِ الْبَاءِ، أَيْ: مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ. وَقِيلَ: بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ: وَوَهَبْنَا لَهُ [مِنْ وَرَاءُ] (2) يَعْقُوبَ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الصِّفَةِ. وَقِيلَ: وَمِنْ بَعْدِ إِسْحَاقَ يَحْدُثُ يَعْقُوبُ، فَلَمَّا بُشِّرَتْ بِالْوَلَدِ ضَحِكَتْ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا، أَيْ: ضَرَبَتْ وَجْهَهَا تَعَجُّبًا.
__________
(1) ساقط من "ب".
(2) ساقط من "ب".
{قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) } .
{قَالَتْ يَا وَيْلَتَى} نِدَاءُ نُدْبَةٍ (1) وَهِيَ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْإِنْسَانُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، أَيْ: يَا عَجَبًا. وَالْأَصْلُ يَا وَيْلَتَاهُ. {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} وَكَانَتِ ابْنَةَ تِسْعِينَ سَنَةً فِي قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تِسْعًا وَتِسْعِينَ سَنَةً. {وَهَذَا بَعْلِي} زَوْجِي، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَيِّمُ أَمْرِهَا، {شَيْخًا} ؛ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَكَانَ سِنُّ إِبْرَاهِيمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِائَةُ سَنَةٍ، وَكَانَ بَيْنَ الْبِشَارَةِ وَالْوِلَادَةِ سَنَةٌ، {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} .
{قَالُوا} يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} مَعْنَاهُ: لَا تَعْجَبِي مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا كَانَ. {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} أَيْ: بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قِيلَ: هَذَا عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ وَالنِّعْمَةِ.
__________
(1) في "ب": (تعجب) .

الصفحة 189