كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)
وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّاهِدِ لِيُوسُفَ وَلِرَاعِيلَ.
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} ، أَيْ سَلِي زَوْجَكِ أَنْ لَا يُعَاقِبَكِ وَيَصْفَحَ عَنْكِ {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} مِنَ الْمُذْنِبِينَ، حَتَّى رَاوَدْتِ شَابًّا عَنْ نَفْسِهِ وَخُنْتِ زَوْجَكِ، فَلَمَّا اسْتَعْصَمَ كَذَبْتِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: "مِنَ الْخَاطِئِينَ" وَلَمْ يَقُلْ: مِنَ الْخَاطِئَاتِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْخَبَرَ عَنِ النِّسَاءِ بَلْ قَصْدَ بِهِ الْخَبَرَ عَمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، تَقْدِيرُهُ: مِنَ الْقَوْمِ الْخَاطِئِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} (التَّحْرِيمِ -12) بَيَانُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} (النَّمْلِ -43) .
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) } .
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) } .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} الْآيَةَ.
يَقُولُ: شَاعَ أَمْرُ يُوسُفَ وَالْمَرْأَةِ فِي الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ مِصْرَ. وَقِيلَ: مَدِينَةُ عَيْنِ الشَّمْسِ، وَتَحَدَّثَ النِّسَاءُ بِذَلِكَ وَقُلْنَ -وَهُنَّ خَمْسُ نِسْوَةٍ: امْرَأَةُ حَاجِبِ (1) الْمَلِكِ، وَامْرَأَةُ صَاحِبِ الدَّوَابِّ، وَامْرَأَةُ الْخَبَّازِ، وَامْرَأَةُ السَّاقِي، وَامْرَأَةُ صَاحِبِ السَّجْنِ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ.
وَقِيلَ: هُنَّ نِسْوَةٌ مِنْ أَشْرَافِ مِصْرَ-:
{امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا} أَيْ: عَبْدَهَا الْكَنْعَانِيَّ، {عَنْ نَفْسِهِ} أَيْ: تَطْلُبُ مِنْ عَبْدِهَا الْفَاحِشَةَ، {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} أَيْ: عَلِقَهَا حُبًّا.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: حَجَبَ حُبُّهُ قَلْبَهَا حَتَّى لَا تَعْقِلَ سِوَاهُ.
وَقِيلَ: أَحَبَّتْهُ حَتَّى دَخَلَ حُبُّهُ شَغَافَ قَلْبِهَا، أَيْ: دَاخِلَ قَلْبِهَا.
قَالَ السُّدِّيُّ: الشَّغَافُ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ عَلَى الْقَلْبِ، يَقُولُ: دَخَلَ الْحُبُّ الْجِلْدَ حَتَّى أَصَابَ الْقَلْبَ.
وَقَرَأَ الشَّعْبِيُّ وَالْأَعْرَجُ (2) {شَعَفَهَا} بِالْعَيْنِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ، مَعْنَاهُ: ذَهَبَ الْحُبُّ بِهَا كُلَّ مَذْهَبٍ. وَمِنْهُ شَعَفُ الجبال وهو رؤوسها. {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أَيْ: خَطَإٍ ظَاهِرٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّهَا تَرَكَتْ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَمْثَالُهَا مِنَ الْعَفَافِ وَالسِّتْرِ.
{فَلَمَّا سَمِعَتْ} رَاعِيلُ، {بِمَكْرِهِنَّ} بِقَوْلِهِنَّ وَحَدِيثِهِنَّ، قَالَهُ قَتَادَةُ والسدي.
__________
(1) في "ب": صاحب.
(2) في "ب": الأعمش.
الصفحة 236