كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أَعْظَمْنَهُ، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هَالَهُنَّ أَمْرُهُ وَبُهِتْنَ. وَقِيلَ: أَكْبَرْنَهُ أَيْ: حِضْنَ لِأَجْلِهِ مِنْ جَمَالِهِ (1) . وَلَا يَصِحُّ.
{وَقَطَّعْنَ} أَيْ: حَزَّزْنَ بِالسَّكَاكِينِ الَّتِي مَعَهُنَّ، {أَيْدِيَهُنَّ} وَهُنَّ يَحْسَبْنَ أَنَّهُنَّ يَقْطَعْنَ الْأُتْرُجَّ، وَلَمْ يَجِدْنَ الْأَلَمَ لِشُغْلِ قُلُوبِهِنَّ بِيُوسُفَ.
قال مجاهد: 182/أفَمَا أَحْسَسْنَ إِلَّا بِالدَّمِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ (2) : أَبَنَّ أَيْدِيَهُنَّ حَتَّى أَلْقَيْنَهَا.
وَالْأَصَحُّ كَانَ قَطْعًا بِلَا إِبَانَةٍ.
وَقَالَ وَهْبٌ: مَاتَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُنَّ (3) .
{وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا} أَيْ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَشَرًا. قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: حَاشَى لِلَّهِ، بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْوَصْلِ، عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِحَذْفِ الْيَاءِ لِكَثْرَةِ وُرُودِهَا عَلَى الْأَلْسُنِ، وَاتِّبَاعًا لِلْكِتَابِ.
وَقَوْلُهُ: {مَا هَذَا بَشَرًا} نُصِبَ بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ، أَيْ: لَيْسَ هَذَا بِبَشَرٍ، {إِنْ هَذَا} أَيْ: مَا هَذَا، {إِلَّا مَلَكٌ} مِنَ الْمَلَائِكَةِ، {كَرِيمٌ} عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) } .
{قَالَتْ} يَعْنِي: رَاعِيلَ، {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} أَيْ: فِي حُبِّهِ، ثُمَّ صَرَّحَتْ بِمَا فَعَلَتْ، فَقَالَتْ: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أَيْ: فَامْتَنَعَ، وَإِنَّمَا صَرَّحَتْ بِهِ لِأَنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّهُ لَا مَلَامَةَ عَلَيْهَا مِنْهُنَّ وَقَدْ أَصَابَهُنَّ مَا أَصَابَهَا مِنْ رُؤْيَتِهِ، فَقُلْنَ لَهُ: أَطِعْ مَوْلَاتَكَ. فَقَالَتْ رَاعِيلُ: {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ} وَلَئِنْ لَمْ يُطَاوِعْنِي فِيمَا دَعَوْتُهُ إِلَيْهِ، {لَيُسْجَنَنَّ} أَيْ: لِيُعَاقَبَنَّ بِالْحَبْسِ، {وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} مِنَ الْأَذِلَّاءِ. وَنُونُ التَّوْكِيدِ تُثَقَّلُ وَتُخَفَّفُ، وَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {لَيُسْجَنَنَّ} بِالنُّونِ لِأَنَّهَا مُشَدَّدَةٌ، وَعَلَى قَوْلِهِ {"وَلَيَكُونًا "} بِالْأَلْفِ لِأَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِنُونِ الْإِعْرَابِ فِي الْأَسْمَاءِ، كَقَوْلِهِ: رَأَيْتُ رَجُلًا وَإِذَا وَقَفْتَ، قَلْتَ: رَأَيْتُ رَجُلَا بالألف، ومثله: {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ} (الْعَلَقِ -15، 16) . فَاخْتَارَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ السِّجْنَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ حِينَ تَوَعَّدَتْهُ الْمَرْأَةُ.
__________
(1) وضعف هذا التفسير أيضا: الطبري: 16 / 76-77، وابن عطية في المحرر الوجيز: 7 / 495-496.
(2) في "ب": مجاهد.
(3) قال الطبري في التفسير: 16 / 79: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عنهن أنهن قطعن أيديهن وهنّ لا يشعرن لإعظام يوسف، وجائز أن يكون ذلك قطعا بإبانة =وجائز أن يكون قطع حز وخدش= ولا قول في ذلك أصوب من التسليم لظاهر التنزيل".
الصفحة 238