كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)
فِي زَوْجَتِهِ، {بِالْغَيْبِ} أَيْ: فِي حَالِ غَيْبَتِهِ، {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} قَوْلُهُ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مِنْ كَلَامِ يُوسُفَ اتَّصَلَ بِقَوْلِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ: أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ، مِنْ غَيْرِ تَمَيُّزٍ، لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ (1) .
وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ: مَعْنَاهُ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ، ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ (2) .
قِيلَ: لَمَّا قَالَ يُوسُفُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: وَلَا حِينَ هَمَمْتَ بِهَا؟ فَقَالَ يُوسُفُ عِنْدَ ذَلِكَ: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي (3) .
قَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّمَا قَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ: وَلَا حِينَ حَلَلْتَ سَرَاوِيلَكَ يَا يُوسُفُ؟ فَقَالَ يُوسُفُ: (4)
__________
(1) انظر التعليق السابق.
(2) انظر التعليق السابق.
(3) انظر التعليق السابق، وراجع فيما سبق ص (228) تعليق (2) .
(4) انظر التعليق السابق، وراجع فيما سبق ص (228) تعليق (2) .
{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) } .
{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} مِنَ الْخَطَإِ وَالزَّلَلِ فَأُزَكِّيهَا، {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} بِالْمَعْصِيَةِ {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} أَيْ: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبِّي فَعَصَمَهُ، " مَا " بِمَعْنَى مِنْ -كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} (النِّسَاءِ -3) أَيْ: مَنْ طَابَ لَكُمْ-وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، عَصَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يُرَكِّبْ فِيهِمُ الشَّهْوَةَ.
وَقِيلَ: "إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي" إِشَارَةٌ إِلَى حَالَةِ الْعِصْمَةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبُرْهَانِ.
{إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَلَمَّا تَبَيَّنَ لِلْمَلِكِ عُذْرُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَرَفَ أَمَانَتَهُ وَعِلْمَهُ:
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} أَيْ: أَجْعَلُهُ خَالِصًا لِنَفْسِي، {فَلَمَّا كَلَّمَهُ} فِيهِ اخْتِصَارٌ تَقْدِيرُهُ: فَجَاءَ الرَّسُولُ يُوسُفَ فَقَالَ لَهُ: أَجِبِ الْمَلِكَ الْآنَ.
رُوِيَ أَنَّهُ قَامَ وَدَعَا لِأَهْلِ السِّجْنِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَطِّفْ عَلَيْهِمْ قُلُوبَ الْأَخْيَارِ، وَلَا تُعَمِّ عَلَيْهِمُ الْأَخْبَارَ، فَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْأَخْبَارِ فِي كُلِّ بَلَدٍ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ السِّجْنِ كَتَبَ عَلَى بَابِ السِّجْنِ: هَذَا قَبْرُ الْأَحْيَاءِ، وَبَيْتُ الْأَحْزَانِ، وَتَجْرِبَةُ الْأَصْدِقَاءِ، وَشَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ. ثُمَّ اغْتَسَلَ وَتَنَظَّفَ مِنْ دَرَنِ السِّجْنِ وَلَبِسَ ثِيَابًا حِسَانًا وَقَصَدَ الْمَلِكَ (1) .
__________
(1) انظر: البحر المحيط: 5 / 319. ومثل هذه الأخبار، والخبران التاليان مما لا يوقف على صحته، وساق المصنف ذلك بصيغة التمريض، ولا يتوقف فهم الآيات على شيء منها. والله أعلم.
الصفحة 249