كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: "هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ" (1) فَلَمَّا انْتَهَى يَعْقُوبُ إِلَى الْمَوْعِدِ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ بِالسَّحَرِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا رَفْعَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جَزَعِي عَلَى يُوسُفَ وَقِلَّةَ صَبْرِي عَنْهُ، وَاغْفِرْ لِأَوْلَادِي مَا أَتَوْا إِلَى أَخِيهِمْ يُوسُفَ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكَ وَلَهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ [رَبِّي يَعْنِي لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ (2) . قَالَ وَهْبٌ: كَانَ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ كُلَّ] (3) لَيْلَةِ جُمُعَةٍ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
وَقَالَ طَاوُسٌ: أَخَّرَ الدُّعَاءَ إِلَى السَّحَرِ مِنْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ فَوَافَقَ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ (4) . وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي، قَالَ: أَسْأَلُ يُوسُفَ إِنْ عَفَا عَنْكُمْ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي (5) {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .
رُوِيَ أَنَّ يوسف كان 187/أقَدْ بَعَثَ مَعَ الْبَشِيرِ إِلَى يَعْقُوبَ مِائَتَيْ رَاحِلَةٍ وَجَهَازًا كَثِيرًا لِيَأْتُوا بِيَعْقُوبَ وَأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ، فَتَهَيَّأَ يَعْقُوبُ لِلْخُرُوجِ إِلَى مِصْرَ، فَخَرَجُوا وَهُمُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِنْ بَيْنِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: كَانُوا ثَلَاثَةً وَتِسْعِينَ (6) ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ مِصْرَ كَلَّمَ يُوسُفُ الْمَلِكَ الَّذِي فَوْقَهُ، فَخَرَجَ يُوسُفُ وَالْمَلِكُ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ مِنَ الْجُنُودِ وَرَكِبَ أَهْلُ مِصْرَ مَعَهُمَا يَتَلَقَّوْنَ يَعْقُوبَ، وَكَانَ يَعْقُوبُ يَمْشِي وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَهُوذَا فَنَظَرَ إِلَى الْخَيْلِ وَالنَّاسِ فَقَالَ: يَا يَهُوذَا هَذَا فِرْعَوْنُ مِصْرَ، قَالَ: لَا هَذَا ابْنُكُ، فَلَمَّا دَنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ ذَهَبَ يُوسُفُ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: لَا حَتَّى يَبْدَأَ يَعْقُوبُ بِالسَّلَامِ، فَقَالَ يَعْقُوبُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذْهِبَ الْأَحْزَانِ (7) .
وَرُوِيَ أَنَّهُمَا نَزَلَا وَتَعَانَقَا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَمَّا الْتَقَى يَعْقُوبُ وَيُوسُفُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ عَانَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَبَكَيَا، فَقَالَ
__________
(1) إشارة إلى حديث أبي هريرة الصحيح: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". أخرجه البخاري في التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل: 3 / 29، ومسلم في صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، برقم (758) : 1 / 521.
(2) أخرج ابن جرير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا: يقول حتى تأتي ليلة الجمعة. وهو قول أخي يعقوب لبنيه، التفسير: 16 / 262، وانظر تخريجه في تعليق محمود شاكر عليه. قال ابن كثير في "البداية والنهاية": (1 / 217) : "وهذا غريب من هذا الوجه وفي رفعه نظر، والأشبه أن يكون موقوفا على ابن عباس رضي الله عنهما".
(3) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(4) انظر: تفسير القرطبي: 9 / 263.
(5) المرجع السابق نفسه.
(6) في "ب": ثلاثة وسبعين.
(7) غالب هذه الأخبار متلقاة عن أهل الكتاب. انظر: البداية والنهاية لابن كثير: 1 / 217-218.

الصفحة 277