كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

وَقِيلَ: مَحَلُّهُ خَفْضٌ، يَعْنِي: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَآيَاتُ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ، ثُمَّ ابْتَدَأَ: "الْحَقَّ"، يَعْنِي: ذَلِكَ الْحَقُّ (1) .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِالْكِتَابِ الْقُرْآنَ، وَمَعْنَاهُ: هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقُّ.
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ حِينَ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ (2) فَرَدَّ قَوْلَهُمْ ثُمَّ بَيَّنَ دَلَائِلَ رُبُوبِيَّتِهِ، فَقَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٍ: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّموَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} .
{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) } .
{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} يَعْنِي: السَّوَارِيَ، وَاحِدُهَا عَمُودٌ، مِثْلُ: أَدِيمٍ وَأُدُمٍ، وَعُمُدٌ أَيْضًا جَمْعُهُ، مِثْلُ: رَسُولٍ وَرُسُلٍ.
وَمَعْنَاهُ نَفْيُ الْعَمَدِ أَصْلًا وَهُوَ الْأَصَحُّ، يَعْنِي: لَيْسَ مِنْ دُونِهَا دِعَامَةٌ تُدَعِّمُهَا وَلَا فَوْقَهَا عَلَاقَةٌ تُمْسِكُهَا.
قَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: السَّمَاءُ مُقَبَّبَةٌ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْقُبَّةِ (3)
وَقِيلَ: "تَرَوْنَهَا" رَاجِعَةٌ إِلَى الْعُمُدِ، [مَعْنَاهُ] (4) لَهَا عُمُدٌ وَلَكِنْ لَا تَرَوْنَهَا (5)
__________
(1) انظر في هذا وشواهده من العربية: تفسير الطبري: 16 / 321-322، البحر المحيط: 5 / 359، المحرر الوجيز: 8 / 109-110.
(2) وقيل: المراد اليهود والنصارى. والأولى أنه عام يندرج تحته هؤلاء وأولئك. انظر: البحر المحيط: 5 / 359.
(3) وهذا مروي أيضا عن قتادة، ويدل عليه تصريحه تعالى في سورة الحج أنه هو الذي يمسكها أن تقع على الأرض في قوله: (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) . فعلى هذا يكون قوله (ترونها) تأكيدا لنفي ذلك. أي: هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها. وهذا هو الأكمل في القدرة. وعلى هذا يكون الضمير في قوله "ترونها" عائدا على "السموات"، وجملة "ترونها" في موضع الحال. انظر: تفسير الطبري: 16 / 325، تفسير ابن كثير: 2 / 500، أضواء البيان: 3 / 77-78، المحرر الوجيز: 8 / 110.
(4) ساقط من "ب".
(5) وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه وعن مجاهد، والحسن، وقتادة، وغير واحد. وقال الطبري تعقيبا على هذين الرأيين: (16 / 325) : "وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى: "الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها" فهي مرفوعة بغير عمد نراها، كما قال ربنا -جل ثناؤه- ولا خبر بغير ذلك، ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه".

الصفحة 292