كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)
قَالَ مُجَاهِدٌ: كَمَثَلِ بَنِيَ آدَمَ، صَالِحِهِمْ وَخَبِيثِهِمْ، وَأَبُوهُمْ وَاحِدٌ (1) .
قَالَ الْحَسَنُ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِقُلُوبِ بَنِي آدَمَ، وَيَقُولُ: كَانَتِ الْأَرْضُ طِينَةً وَاحِدَةً فِي يَدِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، فَسَطَحَهَا، فَصَارَتْ قِطَعًا مُتَجَاوِرَةً، فَيُنْزِلُ عَلَيْهَا الْمَطَرَ (2) مِنَ السَّمَاءِ، فَتُخْرِجُ هَذِهِ زَهْرَتَهَا، وَشَجَرَهَا وَثَمَرَهَا وَنَبَاتَهَا، وَتُخْرِجُ هَذِهِ سَبَخَهَا وَمِلْحَهَا وَخَبِيثَهَا (3) وَكُلٌ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ، كَذَلِكَ النَّاسُ خُلِقُوا مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ تَذْكِرَةً فَتَرِقُّ قُلُوبٌ فَتَخْشَعُ، وَتَقْسُو قُلُوبٌ فَتَلْهُو.
قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ مَا جَالَسَ الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} (الْإِسْرَاءِ -82) . (4)
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} الَّذِي ذَكَرْتُ {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .
{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5) } .
{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} الْعَجَبُ تَغَيُّرُ النَّفْسِ بِرُؤْيَةِ الْمُسْتَبْعَدِ فِي الْعَادَةِ، وَالْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْنَاهُ: إِنَّكَ إِنْ تَعْجَبْ مِنْ إِنْكَارِهِمُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ مَعَ إِقْرَارِهِمْ بِابْتِدَاءِ الْخَلْقِ [مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ] (5) فَعَجَبٌ أَمْرُهُمْ.
وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ، مَعَ إِقْرَارِهِمْ بِابْتِدَاءِ الْخَلْقِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْقُلُوبِ أَنَّ الْإِعَادَةَ أَهْوَنُ مِنَ الِابْتِدَاءِ، فَهَذَا مَوْضِعُ الْعَجَبِ.
__________
(1) الطبري: 16 / 342.
(2) في "ب": الماء.
(3) في "ب": خبثا.
(4) الطبري: 16 / 340.
(5) ساقط من "ب".
الصفحة 295