كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ، فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا (1) . فَأَنْزَلُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ حُنَيْنٍ: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} حَتَّى قُلْتُمْ: لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ، {فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ} كَثْرَتُكُمْ، {شَيْئًا} يَعْنِي أَنَّ الظَّفَرَ لَا يَكُونُ بِالْكَثْرَةِ، {وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} أَيَّ بِرَحَبِهَا وَسِعَتِهَا، {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} مُنْهَزِمِينَ.
{ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ26} .
__________
(1) أخرجه البخاري في المغازي، باب قوله تعالى: "ويوم حنين ... ": 8 / 32-33.
{ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) } .
{ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ} بَعْدَ الْهَزِيمَةِ، {سَكِينَتَهُ} يَعْنِي: الْأَمَنَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ، وَهِيَ فَعِيلَةٌ مِنَ السُّكُونِ {عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ. قِيلَ: لَا لِلْقِتَالِ، وَلَكِنْ لِتَجْبِينِ الْكُفَّارِ وَتَشْجِيعِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُ يُرْوَى: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يُقَاتِلُوا إِلَّا يَوْمَ بَدْرٍ، {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَسَبْيِ الْعِيَالِ وَسَلْبِ الْأَمْوَالِ، {وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} .
{ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فَيَهْدِيهِ إِلَى الْإِسْلَامِ، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} الْآيَةَ، قَالَ الضَّحَّاكُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: نَجَسٌ: قَذَرٌ. وَقِيلَ: خَبِيثٌ. وَهُوَ مَصْدَرٌ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ، فَأَمَّا النِّجْسُ: بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، فَلَا يُقَالُ عَلَى الِانْفِرَادِ، إِنَّمَا يُقَالُ: رِجْسٌ نِجْسٌ، فَإِذَا أُفْرَدَ قِيلَ: نَجِسٌ، بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، وَأَرَادَ بِهِ: نَجَاسَةَ الْحُكْمِ لَا نَجَاسَةَ الْعَيْنِ، سُمُّوا نَجَسًا عَلَى الذَّمِّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: سَمَّاهُمْ نَجَسًا لِأَنَّهُمْ يُجْنِبُونَ فَلَا يَغْتَسِلُونَ ويُحْدثون فلا يتوضؤون.
الصفحة 31