كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

وَقَالَ قَوْمٌ: هو خراب 192/أالْأَرْضِ، مَعْنَاهُ: أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ فَنُخَرِّبُهَا، وَنُهْلِكُ أَهْلَهَا، أَفَلَا يَخَافُونَ أَنْ نَفْعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ (1) ؟
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ خَرَابُ الْأَرْضِ وَقَبْضُ أَهْلِهَا (2) .
وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَبْضُ النَّاسِ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ: نُقْصَانُهَا مَوْتُ الْعُلَمَاءِ، وَذَهَابُ الْفُقَهَاءِ (3) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" (4) .
وَقَالَ الْحَسَنُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الْإِسْلَامِ لَا يَسُدُّهَا شَيْءٌ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ (5) .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَقَبْضُهُ ذَهَابُ أَهْلِهِ (6) .
وَقَالَ عَلِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّمَا مَثَلُ الْفُقَهَاءِ كَمَثَلِ الْأَكُفِّ إِذَا قُطِعَتْ كَفٌّ لَمْ تَعُدْ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا بَقِيَ الْأَوَّلُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ الْآخِرُ، فَإِذَا هَلَكَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْآخِرُ هَلَكَ النَّاسُ.
وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: مَا عَلَامَةُ هَلَاكِ النَّاسِ؟ قَالَ: هَلَاكُ عُلَمَائِهِمْ (7) .
__________
(1) الطبري: 16 / 494.
(2) انظر: الطبري 16 / 495.
(3) تفسير الطبري: 16 / 497، الدر المنثور: 4 / 665-666، وأخرج الحاكم في المستدرك: 2 / 350 عن ابن عباس في معنى الآية قال: ذهاب علمائها وفقهائها وخيار أهلها.
(4) أخرجه البخاري في العلم، باب كيف يقبض العلم: 1 / 194، ومسلم في العلم، باب رفع العلم وقبضه، برقم (2673) : 4 / 2058، والمصنف في شرح السنة: 1 / 4.
(5) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم ص (240) عن الحسن.
(6) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: 10 / 252، والطبراني في الكبير: 9 / 189، والدارمي في مقدمة السنن: 1 / 54، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه: 1 / 43، والبيهقي في المدخل إلى السنن ص (272) وقال: هذا مرسل، وروي موصولا من طريق الشاميين. وانظر تعليق الدكتور محمد الأعظمي في الموضع نفسه.
(7) قال الطبري في التفسير: (16 / 497-498) "وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قولُ مَنْ قال: "أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها"، بظهور المسلمين من أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها وقهرهم أهلها، أفلا يعتبرون بذلك، فيخافون ظهورهم على أرضهم وقهرهم إياهم؟ وذلك أن الله توعَّد الذين سألوا رسوله الآيات من مشركي قومه بقوله: "وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب"، ثم وبَّخَهم تعالى ذكره بسوء اعتبارهم بما يعاينون من فعل الله بضربائهم من الكفار، وهم مع ذلك يسألون الآيات، فقال: "أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" بقهر أهلها، والغلبة عليها من أطرافها وجوانبها، وهم لا يعتبرون بما يرون من ذلك".

الصفحة 327