كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

اللَّهُ لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ، يُرِيدُ: أَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا فِيهَا غَيْرَ اللَّهِ كَالرَّمَادِ الَّذِي ذَرَتْهُ الرِّيحُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{لَا يَقْدِرُونَ} يَعْنِي: الْكُفَّارَ {مِمَّا كَسَبُوا} فِي الدُّنْيَا، {عَلَى شَيْءٍ} في الآخرة، 193/أ {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} .
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) } .
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السموات وَالْأَرْضَ} قَرَأَ حَمْزَةُ والكسائي "خالقُ السمواتِ وَالْأَرْضِ" وَفِي سُورَةِ النُّورِ "خَالِقُ كُلِّ دَابَّةٍ" مُضَافًا.
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ " خَلَقَ " عَلَى الْمَاضِي " وَالْأَرْضِ " وَكُلٌّ بِالنَّصْبِ.
وَ" بِالْحَقِّ " أَيْ: لَمْ يَخْلُقْهُمَا بَاطِلًا وَإِنَّمَا خَلَقَهُمَا لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} سِوَاكُمْ أَطْوَعَ لِلَّهِ مِنْكُمْ.
{وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} مَنِيعٍ شَدِيدٍ، يَعْنِي أَنَّ الْأَشْيَاءَ تُسَهَّلُ فِي الْقُدْرَةِ، لَا يَصْعُبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ وَإِنْ جَلَّ وَعَظُمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا} [أَيْ: خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى اللَّهِ وَظَهَرُوا جَمِيعًا] (1) {فَقَالَ الضُّعَفَاءُ} يَعْنِي: الْأَتْبَاعَ، {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} أَيْ: تَكَبَّرُوا عَلَى النَّاسِ وَهُمُ الْقَادَةُ وَالرُّؤَسَاءُ: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} جَمْعُ تَابِعٍ، مِثْلُ: حَرَسٍ وَحَارِسٍ، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ} دَافِعُونَ، {عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} .
{قَالُوا} يَعْنِي الْقَادَةَ الْمَتْبُوعِينَ: {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ} أَيْ: لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَدَعَوْنَاكُمْ إِلَى الْهُدَى، فَلَمَّا أَضَلَّنَا دَعَوْنَاكُمْ إِلَى الضَّلَالَةِ (2) ، {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} مَهْرَبٍ وَلَا مَنْجَاةٍ.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(2) في "أ": الضلال.

الصفحة 343